يجرف الملحّن والمؤدّي وعازف البيانو الفلسطيني فرج سليمان (مواليد الرامة ــ 1984) الجمهور إلى فضاءات منكَّهة بديلة عن التجاريّ والاستهلاكيّ السائد، لا تخلو خلاصتها من التميّز. يحلّ الفنان الفلسطيني ضيفاً على بيروت للمرة الأولى، حيث يقدّم الليلة أمسية في O beirut. تستميل موسيقى فرج، الشباب مخاطِبةً شريحة واعية تنقّب عن المغاير النظيف ممهوراً بالمطابَقة الطبيعية والصدقية في زمن الزيف، والتصنّع، والتحذلق عبثاً عبر المؤثرات والإبهار البصري.
خصوصية أسلوبية جذّابة ومحبَّبة تدمغ جزءاً من أعمال فرج (بارتوش سلمانسكي)

في عددٍ محدّد من محطّاته الموسيقية والغنائية، ينتبه المتلقّي إلى تأثرٍ أسلوبيّ جزئيّ نوعاً ما - سواء في الطرافة الكلامية أو الالتماع اللحني والهارموني وتوقُّد التأليف- بالمبدع الكبير زياد الرحباني. يتبدّى ذلك في أغنية «إسّا جاي» مثلاً حيث تتحوّل الأغنية إلى حالة ومزاج فنيَّين نوعيَّين ينتسبان إلى فضاء ذائقة عربية أسّسها وأثّث ردهاتها زياد الرحباني. الأغنية المذكورة علامة فارقة وجميلة في تجربة فرج سليمان، علماً أنّ التأثر مباحٌ ولا يعني التقليد، وأنّ ثمة بوْناً شاسعاً بين المفهومَين.
تجربة سليمان الموسيقية تستحق الدعم والتشجيع. إنه موسيقي موهوب جداً وخلّاق وعازف بيانو بارع وليس مغنياً بالمعنى الكلاسيكي. يُحسَب له أنّه لا يدّعي ذلك، بل يُعَدّ مؤدّياً قدراته الصوتية حتى الآن محدودة، لكنها ملائمة لأغانيه، وبإمكانه تطوير الشَّدْو تقنياً عبر الممارسة والتمرين لتنقية صوته، وصقله، وإرهاف الأداء، وتزويد حنجرته بل تسليحها بالـnuances... ولتحسين وتوضيح النطق ومخارج بعض الحروف، ولا سيما في الأداء الحيّ أحياناً في بعض الأغاني حيث يؤدّي ويعزف في آن أمام الجمهور، علماً أنّ المهمّة غير سهلة، وتكتنف تحدّيات جليّة مرتكزةً أيضاً على مدى نجاح هندسة الصوت وتسجيل الأداء الحيّ. صوته يمثّل «كاراكتيراً» تصطبغ به أغانيه.
هناك خصوصية أسلوبية جذّابة ومحبَّبة تدمغ جزءاً من أعمال فرج، كما في أغنياتٍ عدّة مثل «في أسئلة براسي» (من ألبوم «أحلى من برلين»)، و«بحلم بغابة»، و«رغم الفشل» (من ألبوم «البيت التاني») رغم بساطتها المتقشّفة التي تستحقّ -على اعتبارها نواةً وبمثابة مادّة خام- أن تُطوَّر وتقدَّم في إطارٍ أكثر زخوراً لتوسيع أفقها، وتلوينها، وتجنيحها.
تأثر بالجاز والروك والموسيقى الكلاسيكية


أمّا في أغنية «الملكة -Down with London Bridge» من ألبوم «جبنا للولد بيانو»، فقادَ التجريبُ المتقن في ذروته فرج نحو الإبداع والتحليق، علماً أنّ الأغنية النخبوية توقظ دهشة المستمعين، وقد تمظهر الجهد الكبير المبذول في الرؤية الموسيقية المتراصّة والجريئة، والكتابة الموسيقية والتنفيذ.
في موازاة تأثره بالموسيقى المشرقية العربية وأنغامها وإيقاعاتها، واستلهاماته المنسلّة من خلفيّته الثقافية العربية، تأثر بالجاز والروك والموسيقى الكلاسيكية. إنه توّاقٌ إلى الحفر عن أشكال تعبيرٍ مستحدثة. تحظى موسيقى فرج بالقبول شرقاً وغرباً ويصعب تأطير نتاجه وحصره في نطاقٍ نهائي منذ الآن لأنه مفتوحٌ على الإرفاد والاستكمال الحرّ، وعلى مناهل متعدّدة في ظلّ ازدياد عوامل التداخل والتلاقح في زمننا والتفيُّؤ العصري بكونيّةِ الموسيقى.

* حفلة فرج سليمان: س:21:00 مساء اليوم ــ O Beirut (انطلياس) ــ للاستعلام: 81/454566