تونس | على الطريق الرابطة بين مدينتَي صفاقس وقابس جنوب تونس، تلفت انتباه الزائر مجموعة من التجهيزات الفنية وأعمال النحت والجداريات في مدينة المحرس يتوقّف عندها عدد من السيّاح من جنسيات أوروبية، متسائلين عن سرّ هذه الأعمال التي لم يعتادوها في المدن التونسية كأنهم في متحف مفتوح. إنّها مدينة المحرس التي حوّلها مهرجانها الدولي للفنون التشكيلية إلى متحف مفتوح منذ تأسيس المهرجان الذي اختتم مساء الأربعاء في نسخته الخامسة والثلاثين. منذ عام 1988، واظب المهرجان على إقامة دوراته، إلا في عامَي الكوفيد 19 ومرّ به عدد كبير من الفنانين التشكيليين من القارات الخمس، ويعتبر المرور به شارة مرور للفضاءات والمهرجانات الكبرى المتخصصة في الفنون التشكيلية والبصرية.



يأتي الفنانون التشكيليون والفوتوغرافيّون والنحاتون والنقاد في مثل هذا الوقت من كل عام إلى مدينة المحرس التي تشهد حركةً خاصة في موسم عودة المهاجرين من أبناء المدينة الذين يعيشون في أوروبا.
في دورته الأخيرة، رفع المهرجان، ممثَّلاً في هيئته الإدارية، شعار «على درب المؤسسين» بعد غياب مديره السابق إسماعيل حابة أحد مؤسسي هذا الحدث السنوي. وكان الفنان التشكيلي يوسف الرقيق الذي كان المؤسس الأساسي للمهرجان، قد رحل في عام 2012، لكنّ المهرجان تواصل بجهود حابة الذي غادر هذه الحياة في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي. وكان هناك خوف كبير من أن يتوقّف المهرجان، لكنّ رفاق إسماعيل حابة ويوسف الرقيق واصلا الرحلة الصعبة في غياب الإمكانات المالية الكافية.
فعاليات المهرجان التي امتدّت على مدى أسبوع كامل حافظت على الفقرات الرئيسية وهي ورشات الرسم المفتوحة للأطفال وللكهول، ومعرضي الافتتاح والاختتام، واللقاءات الشعرية والفكرية التي شارك فيها من تونس محمد بن حمودة، ومحمد الرقيق، ونزار شقرون، وخالد الغريبي من أساتذة جامعة صفاقس، والشعراء شمس الدين العوني، ومنصف الوهايبي، والهادي القمري، ومن المغرب بنيونس عميروش وإبراهيم الحيسن وغيرهم إلى جانب تقديم الكتب والسهرات الفنية.
وخلال رحلة المهرجان، ترك الفنانون الذين مرّوا به مئات الأعمال الفنية التي يملكها المهرجان وتمثّل ثروة فنية كبيرة وتحدّياً في الحفاظ عليها وصيانتها في غياب متحف تتوافر فيه الشروط التقنية والفنية اللازمة. وهو حلم تسعى جمعية المهرجان إلى تحقيقه إلى جانب حيّ الفنون، وهما مشروعان مؤجلان منذ سنوات.
تجهيزات فنية وأعمال نحت وجداريات في مختلف أنحاء المدينة


نسخة أخرى يطويها «المهرجان الدولي للفنون التشكيلية» في مدينة المحرس في غياب المؤسسين، فهل سيقدر المهرجان على الصمود من أجل نشر ثقافة الفن التشكيلي في الفضاء العام؟ هذا هو الرهان اليوم! وفي هذا السياق، قال مدير المهرجان ورئيس الجمعية الجديد علي بوعلي لـ «الأخبار» إنّ «المهمة صعبة لكننا مصرون على المواصلة، وما يؤرقنا أكثر هو الرصيد الفني الذي يملكه المهرجان، ونخشى عليه من التلف وهو يمثل ذاكرة ثقافية ليس لتونس فقط، بل للثقافة الإنسانية. وهذا ما نعمل عليه بالتعاون مع وزارة الثقافة وبلدية المحرس ومجلس محافظة صفاقس».