ثماني سنوات، هي المدّة الزمنية التي استغرقتها مرحلة ما قبل الإنتاج لصنع فيلم «فيراري» (2023 ــ 130 د) للمخرج مايكل مان الذي يشارك في المسابقة الرسمية للدورة الثمانين من «مهرجان البندقية السينمائي الدولي». منذ عام 2015، بدأ مان ببناء الفيلم وكان من بطولة كريستيان بيل في الأصل، ولكن الأخير ترك المشروع لأنّه كان قلقاً بشأن عدم قدرته على الوصول إلى الوزن المناسب للشخصية. هيو جاكمان كان الخيار التالي، ولكنّه وقتها كان يصوّر أفلاماً أخرى، إلى أن وقع الاختيار على آدم درايفر الذي وصل في ليلة الافتتاح إلى جزيرة الليدو في البندقية. وذلك على الرغم من إضراب الممثلين والكتّاب الهوليوديين، وهو واحد من قلّة من المشاهير الذين ظهروا في هذا الحدث، لأنّ «نقابة ممثلي الشاشة ــ الاتحاد الأميركي لفناني الراديو والتلفزيون» (ساغ ــ أفترا) أعفت الممثل والمخرج الأميركي وسمحت له بترويج الشريط كونه أُنتج خارج نظام الاستديوات الرئيسية الكبيرة. خلال المؤتمر الصحافي للفيلم، انتقد آدم درايفر استديوات هوليوود الكبيرة، بما في ذلك نتفليكس وأمازون، لرفضها تلبية مطالب الكتّاب والممثلين. وقال: «أنا سعيد للغاية لوجودي هنا لدعم هذا الشريط، وفخور أيضاً لأكون ممثلاً في فيلم ليس جزءاً من AMPTP (تحالف منتجي الصور المتحركة والتلفزيون)». وتساءل درايفر: «لماذا يمكن لشركة توزيع صغيرة (مثل «نيون» التي توزّع «فيراري» في الولايات المتحدة) أن تمتثل لمطالب (النقابة) في حين لا تستطيع شركة كبيرة مثل نتفليكس أو أمازون ذلك؟».وأشار إلى أن الإعفاء الذي استفاد منه الفيلم «يوضح بشكل أكبر حقيقة أن البعض مستعدون لدعم الأشخاص الذين يتعاونون معهم، والبعض الآخر لا»، مضيفاً: «لكل هذه الأسباب، لا داعي للقلق بشأن اتخاذ قرار بدعم نقابتكم، وأنا هنا من أجل ذلك، لإظهار تضامني والتأكيد أن ما يهم حقاً هم الأشخاص الذين تعملون معهم».
من ناحيته، أوضح مان أنّه تم تصوير الفيلم بسبب تنازل الأشخاص الذين عملوا عليه عن نسب كبيرة من رواتبهم، فيما عمل منتجون بشكل أساسي من دون بدل مالي: «لم يتم إنتاجه بواسطة استديو كبير، ولم يصرف لنا أي أستديو كبير شيكاً».
مودينا عام 1957، حيث يعيش «إنزو فيراري» (آدم درايفر)، السائق السابق وصانع أشهر السيارات في العالم، أزمة شخصية ومهنية وهو على مشارف سن الستين. الشركة التي أنشأها من الصفر قبل عشر سنوات مع زوجته «لورا» (بينيلوبي كروز)، تواجه أزمة مالية كبيرة. كما أنّ زواجهما يواجه أزمة بعد وفاة ابنهما الوحيد «دينو» قبل عام، وعندما اكتشفت «لورا» أنّ «إنزو» لديه ابن ثانٍ من علاقة خارج نطاق الزواج مع «لينا لاردي» (شايلين وودلي). بحثاً عن مخرج، يقرّر «إنزو» أن يراهن بكل شيء في سباق السرعة، سباق الألف ميل الأسطوري.
«فيراري» لمايكل مان ليس فيلم سيرة ذاتية تقليدي عن «إنزو فيراري»، ولكنّه قصة محدّدة عن فترة في حياته، قرر المخرج إطلاعنا بصرامة سينمائية على الصورة العامة والخاصة لرجل معقّد بشكل كبير. فخرج بفيلم يبدو في الظاهر أنّه دراما كلاسيكي، ولكن بعد توالي الأحداث والتعمّق أكثر، يستحيل شريطاً نفسياً مرعباً، يتشرّب من أفلام المافيا ليقدم لنا صورة الرجل والمرأة المضطربَيْن في خضم مشكلات نفسية ومالية لا مجال للخروج منها.
يلعب الموت دوراً كبيراً، من البداية حتى مشهد الحادث الكبير في النهاية. وكأنّ العمل بأكمله يأخذنا إلى هذه اللحظة المؤلمة ليتحطّم في وجهنا، كما تحطمت سيارة الفيراري خلال السباق. قدّم مان فيلمه بصرامة شكلية وحوارات دقيقة جداً وسريعة. كل شيء في الفيلم يجري بسرعة ولكن كل مشهد وحوار يظهر في وقته المناسب. هناك الكثير من الألم. ألم الحب والفقد، وحتى ألم الربح الذي تتخلّله خسارة الأصحاب. «فيراري» لمايكل مان، عمل مدهش وغامض. يعرف مان كيف يكتب قصة ويسرد حبكة ويقدّم مشاهد سباق بأسلوب مرعب يحمل الكثير من الخطورة للفيلم.