تعقيباً على مقالة الزميل سعيد محمد «كارلوس غصن... اللصّ الحربوق» التي نشرتها «الأخبار» بتاريخ 30 آب (أغسطس) 2023، وردنا ردّ من المكتب الإعلامي لكارلوس غصن ننشره كاملاً:«في افتتاحية المؤسس الراحل الأستاذ جوزف سماحة عام 2006، حددت جريدة «الاخبار» معسكرها بشكل واضح معلنة انحيازها إلى رافضي الهيمنة والحرص على التعددية والديموقراطية والموضوعية والحداثة والثقافة الإبداعية ومواجهة التفكير الريفي، المركنتيلي والمقاطعجي. ومنذ ذلك الحين، ثابرت «الأخبار» على مناصرة كل مستضعف وكل مظلوم ووقفت بوجه كل طاغية وكل متعسّف سواء أكان دولة أم فرداً. مقال «كارلوس غصن... اللصّ «الحربوق»» جانب في مضمونه المبادئ التي قامت عليها الجريدة، فنزل المقال بشكل مضبطة اتهام ضد كارلوس غصن انحاز فيها كاتب المقال إلى معسكر شركتَي «رينو» و«نيسان» وشركائهما وداعميهما في حربهما الضروس الرامية إلى سحق مدير تنفيذي لبناني شقّ طريقه من خارج نادي رجال الأعمال، متسلّحاً بالعمل والمثابرة كأجير لدى ميشلان ومن ثم «رينو» و«نيسان» قبل أن يقود تحالف الشركتين، ويضم إليه ميتسوبيشي ليجعله التحالف الأول لصناعة السيارات في العالم. فكاتب المقال لصق صفة اللصّ بمن تعرض للخيانة والاعتقال والسرقة وتلفيق التهم له ولزوجته، والتشهير والقدح والذم وتشويه سمعة واسع النطاق في دول عدة وبشكل متزامن من قبل شركات صناعية عالمية عملاقة مدعومة من أجهزة دول. ودافع كاتب المقال عن نظام العدالة الياباني رغم تنديد منظمة الأمم المتحدة بإجراءات توقيف كارلوس غصن التعسفية على يد هذا النظام، لا بل أورد كاتب المقال معلومات مشوّهة وغير كاملة حين ذكر أن حوالي ثلث المتهمين فقط في اليابان، ينتهون إلى المحاكمة، وتغاضى عن ذكر أن الثلثين الباقيين ينسحقون تحت استبداد هذا النظام، فيقرون بالجرائم المنسوبة إليهم بدون محاكمة، وهذا ما يجعل نسب الإدانة في النظام القضائي الياباني تبلغ 99.8 في المئة. والأمر عينه حين ذكر كاتب المقال أن كارلوس غصن تسبّب في صرف ثلاثة آلاف عامل من أحد مصانع شركة رينو في بلجيكا، متغاضياً عن أن كارلوس غصن رفع عدد عمال تحالف شركتي «رينو» و«نيسان» من 200 ألف عامل حين استلامه إدارة الشركتين إلى 450 ألف عامل حين مغادرته لها. كذلك، أدان كاتب المقال طلاق كارلوس غصن من زوجته الأولى كما لو كنا لا نزال في زمن الانكيزيسيون وحكم بنفسه أن سبب زواجه الثاني هو: جمال زوجته، في نظرة دونية للمرأة، كما لو أنّها إنسان ناقص محصور بجماله الخارجي. سخر كاتب المقال من وقوف كارول نحاس إلى جانب زوجها في محنته، كما لو أنّ ذلك غريب ومستهجن في مجتمعنا الشرقي، حيث يشكّل تعاضد العائلة نواة المجتمع، وهو أمر غالباً ما تباهت به جريدة «الأخبار» في ما خصّ زوجات المقاومين. لقد استمد كارلوس غصن قوة من زوجته، زادته عزماً في رفض الانسحاق والإقرار بالجرائم الملفقة له في اليابان، ما حمل السلطات اليابانية ليس فقط على منع أي اتصال بين الزوجين، بل أيضاً على ملاحقة الزوجة وإصدار مذكرة إلقاء قبض بحقها وتعميمها على الإنتربول. وفي أمر يتناقض كلياً مع التطور الثقافي العالمي، أراد كاتب المقال تحميل كارلوس غصن، تبعات أفعال والده المتوفى، كما لو أنّ قدره أن يعيش في خزي أفعال غيره، فدخل في جدلية توصيف هذه الأفعال لتحميل وزرها ليس لفاعلها بل لابنه. كذلك شوّه كاتب المقال فلسفة آدم سميث الذي لطالما انتقد أرباب العمل الممثَّلين في يومنا هذا بالشركات العالمية العملاقة، ولم ينتقد الأُجراء الذين يعملون بكدّ لرفع مستوى هذه الشركات وزيادة ربحية مساهميها. إن ما حصل مع كارلوس غصن يضع هذا الأخير في خانة الضحايا لدى آدم سميث. ذنب كارلوس غصن هو رفضه تلبية رغبة شركة رينو ومن خلفها الدولة الفرنسية في دمج شركتَي «رينو» و«نيسان»، كما رفضه رغبة شركة «نيسان» ومن خلفها الدولة اليابانية في الاستقلال الكلي عن شركة رينو. ذنبه أنه أزال جميع العوائق الثقافية والقومية التي يمكن أن تمنع أي موهبة من التألق، حتى إنّه منح الفنان اللبناني نديم كرم شرف تجسيد تاريخ شركة «نيسان» في صناعة السيارات عبر مجسم معدني في يوكوهاما اليابانية. لقد تخلص المتآمرون في شركة «نيسان» من كارلوس غصن عبر وسائل مافياوية غير مشروعة لأنهم كانوا يعلمون علم اليقين بأنه يستحيل عليهم التخلص منه عبر التصويت الشرعي في جمعية المساهمين. وقد خسر المساهمون حوالي 40 مليار دولار من قيمة أسهمهم من جراء ذلك، وأصبح التحالف حالياً في المركز الخامس في صناعة السيارات عالمياً.
فضلاً عن ذلك، أورد كاتب المقال وقائع تجافي الحقيقة والواقع، فكارلوس غصن لا يملك منصة «آبل. تي. في» ولا أيّ سلطة في التأثير عليها، وقد وافق على عرضها بالمشاركة في وثائقي عنه بدون أن يحتفظ لنفسه بأي حق في تسمية الصحافيين القائمين به أو في مراقبة المحتوى بصورة سابقة أو لاحقة، ولم يسدّد ولو دولاراً واحداً لها سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهو لا يملك حقوق عرض الوثائقي أو إعادة عرضه سواء بصورة كلية أو جزئية. وبخلاف ما يسوقه كاتب المقال، فإن الوثائقي تضمّن عرضاً لوجهات نظر شركتي «رينو» و«نيسان» وحتى وجهة نظر وزير العدل الياباني، ولم تُعرض وجهة نظر محامي كارلوس غصن اللبناني رغم تصويرها للإبقاء على التوازن القائم في الوثائقي بين معسكر غصن والمعسكر المقابل له. وتجدر الإشارة إلى أن التعاقد مع «آبل. تي. في» تمّ قبل تاريخ إقدام نتفليكس على الاتصال به للمشاركة في إنتاج وثائقي عنه. أما عرض وثائقي نتفليكس للجمهور قبل عرض وثائقي منصة «آبل. تي. في»، فمرده إلى أنّ الأول إنتاج صغير بعكس الثاني.
وليس صحيحاً على الإطلاق أنّ كارلوس غصن خان مديراً سابقاً لم يأت كاتب المقال على ذكر اسمه، أو خان مساعده المحامي كريغ كيلي الذي رفض عرض المدعي العام التوقيع على مستند يدين كارلوس غصن وفضّل خوض المحاكمة وحيداً، أميناً لكارلوس غصن، فتمت إدانته بالتخطيط لتسديد تعويض بعد التقاعد، وهو تعويض لم يتم تحديده أو إقراره أو الموافقة عليه أو تسديده من شركة «نيسان»، وحكم على كريغ كيلي بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ. ويعتبر كاتب المقال أن كارلوس غصن أقام شكوى على «نيسان» للمطالبة بمليار دولار لانزعاجه من توجيه الاتهامات إليه، في حين أن الشكوى المذكورة تنسب إلى «نيسان» وشركائها والمتدخلين معها جرائم تأليف جمعية أشرار بقصد ارتكاب جنايات على الناس (المادة 335 عقوبات) واختلاق أدلّة مادية على وقوع جرائم جزائية (المادة 403 عقوبات) وتقديم شهادة كاذبة أمام سلطة قضائية (المادة 408 عقوبات) والحرمان من الحرية بوسائل غير الخطف (المادة 569 عقوبات) وخرق حرمة المنزل بواسطة عدة أشخاص مجتمعين (المادة 571 عقوبات) والسرقة من الأماكن المقفلة بالجدران بعد الدخول إليها بالحيلة (المادة 639 عقوبات) والولوج إلى نظام معلوماتي والمكوث فيه وإلغاء بيانات رقمية ونسخها وتعديلها (المادة 110 من قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي) وإفشاء الأسرار بدون سبب مشروع (المادة 579 عقوبات) واعتراض رسائل إلكترونية واستنساخها والاحتفاظ بها أو إفشاء المعلومات الواردة فيها. (المادة 17 من القانون الرقم 140 الرامي إلى صون الحق بسرية المخابرات التي تجرى بواسطة أي وسيلة من وسائل الاتصال) والقدح والذم والتشهير (المواد 582 و584 عقوبات). وإذا كان كاتب المقال شعر أن الوثائقي بيّض صفحة كارلوس غصن رغم المهنية العالية التي اتسم بها وعرّضه لمختلف وجهات النظر، فذلك مرده إلى أنّ الحقيقة سطعت من خلال هذا الوثائقي ولو جزئياً.
إنّ المكتب الإعلامي للسيد كارلوس غصن، إذ ينفي صحّة ما ورد في ذلك المقال، ويؤكد أن الحقيقة لا بدّ من أن تسطع في حكم قضائي، يتمنى على صحيفة «الأخبار» توخي الدقّة في ما يتم نشره، والبقاء على مبادئها وعدم الدخول في الترويج لحملات شركة «نيسان» وشركائها على كارلوس غصن قبل خمسة عشر يوماً من البدء بمحاكمتهم أمام القضاء اللبناني، في وقت ينحاز فيه إعلام اليسار في الغرب إلى معسكر غصن.

ردّ على الرد

اعترِضوا على الأعمال الفنية التي تناولت «قاتِل التكاليف»
مقال «الأخبار» لم يكن يتعلّق بقضية السيد غصن، بقدر ما كان عبوراً فنياً وثقافياً لأعمال وثائقيّة معروضة آخرها ذاك الذي عرض على «أبل. تي. في. بلس» وبالاعتماد على مواد منشورة في مجلات وصحف العالم حول ملابسات القضية. لكن «المكتب الإعلامي» للسيد غصن الذي لم يدرك ذلك، اعتبر أنّ كل ما ورد في المقال هو مضبطة اتهام، وكان الأحرى به التوجّه إلى أصحاب الأفلام الوثائقيّة اعتراضاً لا لـ «الأخبار». أما المعلومات بشأن النظام القضائي الياباني المذكورة في المقال، فقد استندت إلى وصف جاء في دراسات علمية منشورة. ومن المعروف أن نظام القضاء الياباني مختلف عنه في الدول الغربيّة، لكنّه نجح في إبقاء مستوى الجريمة في أدنى مستوياتها في إطار الديمقراطيات الليبرالية في العالم، وعيبه أنّه يعامل الجميع بعدالة، وهذا ربّما ما أزعج السيد غصن الذي يبدو أنّه كان يتوقع معاملة خاصة. واللافت أنّ المكتب الإعلامي لم يعلّق على حقيقة أن السيد غصن مطلوب أيضاً بمذكرة استرداد للقضاء الفرنسي، الذي ربما يكون شكل العدالة فيه غير مناسب له، ولا بدّ حينئذ للعالم من البحث عن نظام قضاء مثالي يرضى به.
وبخصوص النقطة المتعلقة بصرف السيد غصن 3 آلاف عامل من مصنع «رينو» في بلجيكا (و21 ألفاً آخرين من مصانع «نيسان»)، فقد ذُكرت في الوثائقيّ في معرض التدليل على سياسة تحقيق النمو من خلال خفض التكاليف (حتى سمّي السيد غصن بـ «قاتل التكاليف»)، وهو ليس سراً، وقد تسبّب ذلك في تظاهرات موثقة في البلدين. أما أنه ترك الشركة بعد 15 عاماً وقد رفع عدد الموظفين، فهذا أمر لم يذكر في الوثائقي، لعلّه كان نتيجة قرار شركة «نيسان» بشراء مجموعة «ميتسوبيشي»، بالإضافة إلى النمو الطبيعي خلال 15 عاماً، ولو كان صحيحاً فهو لا يتعارض مع سياسة طرد الموظفين في مرحلة سابقة، لا بل التسبّب في انتحار بعضهم وفق الوثائقيات دائماً. لا يتخذ المقال مواقف أخلاقية من علاقة السيد غصن لا بزوجته الأولى ولا الثانية، بل هو نقل ما أوحى به الوثائقي تجاه هذا الأمر. علماً أن مذكرة الاعتقال التي أصدرتها السلطات اليابانية للزوجة الثانية، لم تكن لأنها وقفت مع زوجها ولا تعارضاً مع التطور الثقافي العالمي كما أشار المكتب الإعلامي، بل تحديداً لأنها شاركت ـــ وفق التحقيقات مع المقاولين الأميركيين ـــ في ترتيب عمليّة فراره واعترافاتهم مسجلة قانونياً.
لم يحمّل المقال تبعات أفعال والد السيد غصن له إطلاقاً، بل على العكس كانت تلك إشارة إلى محاولة فاشلة من الوثائقي لتفسير خلفيات تصرفات السيد غصن. وبخصوص فلسفة آدم سميث، فالمقال استعان بها تحديداً من زاوية أنّ سعي الأشخاص لتحقيق مصالحهم الذاتية هو ما يكفل استمرارية النظام الرأسمالي. أما أنّ كون السيد غصن الذي بقي 15 عاماً على قمة أكبر تحالف سيارات في العالم ويقبض راتبين أحدهما فقط يبلغ سبعة أضعاف راتب المدير التنفيذي لـ «تويوتا» عملاق صناعة السيارات الياباني، إلى جانب الأموال الوفيرة التي تتهمه «نيسان» و«رينو» باختلاسها، فمن المعيب وضعه في سياق ضحايا النظام الرأسمالي.
من الجليّ أن المكتب الإعلامي لم يشاهد الوثائقي لأن مدير السيد غصن الذي قام بتعيينه، المدير التنفيذي السابق لـ «رينو» السيد لوي سويشيزر، يتحدث بوضوح عن خيانة السيد غصن له وصدمته من الفضائح التي كشف عنها على حد تعبيره.
لا ندري ما هي الحقيقة التي سطعت من الوثائقي التي يتحدث عنها المكتب الإعلامي، فالوثائقي يشير إلى الاتهامات الموجهة للسيد غصن، وشركائه المحتملين في التهم الموجهة إليه، كما المدانين في عمليّة تهريبه في صندوق. وعموماً، فإن الأعمال الفنية تحتمل قراءات متعددة وعلى مستويات مختلفة، ولا مانع من أن تختلف قراءة كاتب المقال عن توقعات المكتب الإعلامي من الوثائقيات المختلفة عن قضية السيد غصن.