وكان ونس قد أكد على أنّ التدخل في مناطق تاريخية وتراثية مثل مقابر القاهرة التاريخية وصحراء المماليك، حدث من دون مراعاة لقواعد التدخل في هذه المناطق، وخصوصاً في مسألة استخدام المعدات الثقيلة. استقالات أخرى توالت للأسباب نفسها من اللجنة التي يرأسها ونس من بينها استقالة حسام إسماعيل، أستاذ الآثار الإسلامية في «جامعة عين شمس». تحدّث إسماعيل عن وعود لرئيس مجلس الوزراء إلى اللجنة بالحفاظ على مقابر القاهرة من دون أن يتم ذلك حتى الآن.
استقالات أخرى شهدتها لجنة شكّلتها رئاسة الجمهورية في حزيران (يونيو) الماضي على خلفية الانتقادات الواسعة التي طالت عمليات الهدم، ومعظمها لخبراء في التخطيط العمراني والآثار والعمارة التراثية، بعدما أحسّ الجميع أن لا جدوى من حديثهم عن ضرورة وقف هدم المقابر التاريخية في وقت تتواصل فيه أعمال الهدم من دون النظر لكل هذه المطالبات.
من جهتها، أصدرت «جمعية المعماريين المصريين» بياناً داعية فيه إلى وقف «تدمير جبانات القاهرة التاريخية»، معتبرةً أنها تتعرّض لتدمير شامل لم يحدث لها خلال 14 قرناً أو حتى وقت حروب وكوارث أخرى مرت على مصر. وحسب البيان، فالجبانات جزء من القاهرة التاريخية المسجلة على قائمة التراث العالمي وذات نسيج عمراني متميّز، دُفنت فيها «أجيال متعاقبة من أبناء مصر بجميع الفئات والطبقات»، كما أنّ مقابر نخبة مصر من شعراء وفنانين، تتواجد في هذه المنطقة. وأشار البيان إلى أنّ المنطقة التي شهدت الهدم، تضم كنوزاً معمارية لا تقل في قيمتها عن تاج محل في الهند وتحتوي على «تركيبات رخامية أو حجرية ونماذج من الخط العربي المسجل على قائمة اليونسكو». وتطرّق البيان إلى اللجنة التي شكّلها مجلس الوزراء المصري من اختصاصيين في التخطيط العمراني والحفاظ على التراث، وأكدت في تقريرها على عدم جدوى الطريق الذي تهدم المقابر من أجله. وطرحت هذه اللجنة مشروعاً بديلاً لا يمسّ مقابر القاهرة التاريخية. وطالب الموقعون على البيان وقف ما وصفوه بـ«الأعمال التخريبية التي تستهدف جزءاً عزيزاً بل مقدّساً من تراث مصر الثقافي».
بيان طالب بوقف «الأعمال التخريبية التي تستهدف جزءاً عزيزاً بل مقدّساً من تراث مصر الثقافي»
رغم أنّ صوت البرلمان المصري لا يخرج عن خطّ الحكومة، إلا أن نواباً تقدموا بطلبات إحاطة وأسئلة لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ووزراء آخرين لهم علاقة مباشرة بعمليات هدم المقابر. إلا أن هذه الطلبات والأسئلة لم تناقش حتى الآن، من بينها مطالبات للنائبين ضحى عاصي، وضياء الدين داوود. كما أصدر «الحزب المصري الديمقراطي» بياناً وقّع عليه عدد كبير من النواب والكتّاب والفنّانين للمطالبة بإنقاذ جبانات القاهرة من الزوال.
اللجنة التي شكّلها مجلس الوزراء، تم تجاهلها في الفترة الأخيرة، ومعظم أعضائها لا يتحدثون لوسائل الإعلام، فآراؤهم استشارية واللجنة «لا تملك أي صلاحيات لوقف عمليات الهدم». علماً أنّها اللجنة كانت قد تقدمت بحلول أخرى بديلة لا تتضمن هدم المقابر. وقد اعترفت في تقاريرها أن المشروع المزمع إقامته من قبل الحكومة وتجري عمليات هدم الجبانات من أجله يوفر فقط دقيقتين ونصف الدقيقة لحركة مرور السيارات!
مع ذلك، لا يبدو أنّ عمليات هدم مقابر القاهرة التاريخية قد تتوقف قريباً. ففي الوقت الذي يتواصل فيه الهدم وتتزايد الاستقالات، بدأ بناء المحور المروري، ما يؤكد على أنّ حكومة مصر عازمة تماماً على المشروع ولن توقفها كل الأصوات الغاضبة.
ما ينصّ عليه القانون
يلزم القانون المصري الرقم 144 لعام 2006 الدولة على الحفاظ على المباني التراثية التي تحددها اللجنة الدائمة لحصر المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز. ويقول محمد حمزة، أستاذ الآثار الإسلامية والعميد السابق لكلية الآثار في جامعة القاهرة، إن هناك «خرساً تاماً» من قبل المجلس الأعلى للآثار وقطاع الآثار الإسلامية حول ما يحدث لقرافات القاهرة وجباناتها الرئيسية من أجل محور مروري. وتابع في بيان على صفحته الفايسبوكية إنّ ما يحدث من هدم للمقابر بحجة أنها غير مسجلة في الآثار الإسلامية، هو «إهمال وتقصير»، فالمباني التي يجري هدمها تتوافر فيها كل معايير التسجيل، مضيفاً أنه يجب المحاسبة على أن هذه الأماكن لم يتم تسجيلها طبقاً لقانون 119 لعام 2009 بشأن حماية المخطوطات وقانون 144 لعام 2006، وقوانين أخرى خاصة بالتراث. واعتبر حمزة أن الحل يكمن في جمع القوانين الأربعة الخاصة بالآثار وتسجيلها في قانون واحد للآثار والتراث، ويتبع جهة واحدة تتم محاسبتها على تنفيذه، وفصل وزارة الآثار عن السياحة.