البندقية | صحيح أنّ لا مشاركات عربية في الدورة الحالية من «مهرجان البندقية السينمائي» المستمرّة حتى التاسع من الشهر الحالي، إلا أنّ المخرج التونسي محمد بن عطية حاضر بفيلمه الجديد «وراء الجبل» ضمن مسابقة «آفاق». كنا في انتظار فيلمه الجديد، وخصوصاً أنّه من السينمائيين التونسيين الموهوبين. باكورته الطويلة «نحبك هادي» شاركت في «مهرجان برلين» عام 2016، وحصدت جائزة أفضل عمل أول، وممثله مجد مستورة نال جائزة «الدب الذهبي» لأفضل ممثل. أما فيلمه الثاني «ولدي» (2018)، فقد شارك في تظاهرة «أسبوعي المخرجين» ضمن «مهرجان كان». وها هو يشارك في «البندقية» بـ «وراء الجبل»، الذي لا يختلف في موضوعه العام عن أفلامه السابقة. هو يعرف جيداً كيف يبتكر شخصيات غامضة ذات رغبات جامحة، عادة ما تنتفض ضد الأعراف والقيود المجتمعية. لكنّ «وراء الجبل» جاء مخيباً للآمال، بل لعله أسوأ أفلامه حتى الآن. إذ حاول المزج بين الفانتازيا والإثارة النفسية لكنه خرج خالي الوفاض من الاثنين. فيلمه مزيج من أشياء كثيرة عملت ضده تقريباً. يلفّ عطية فيلمه وبطله رفيق (مجد مستورة) بالغموض. يبدو الأخير رجلاً عادياً، لكنه في أحد الأيام يفقد أعصابه ويدمّر مكان عمله في نوبة غضب عنيفة. لا نعرف السبب، ولكن هذا الفعل يؤدي إلى سجنه لمدة أربع سنوات، قبل أن يخرج، ويسعى لرؤية ابنه ياسين (وليد يوشيوة)، ويأخذه إلى الجبل ليريه كيف يمكنه الطيران!الفيلم مليء بالرموز والاستعارات، لكن من دون توظيف ذكي من قبل بن عطية، فجاءت عبئاً على الفيلم نفسه. عندما وصل رفيق وولده إلى الجبل، تحول الفيلم من الفانتازيا إلى فيلم رعب وإثارة نفسي، وخصوصاً عندما دخل بيت عائلة غريبة وهدّدها. هنا حاول بن عطية أن يجعل من فيلمه شبيهاً بمناخات سينما مايكل هانيكي، وخصوصاً فيلم Funny Games، لكنه لم يصل أبداً إلى المستوى المطلوب من التشويق، وخصوصاً أن كل شيء كان متوقعاً. لم يرمّم بن عطية مشاهده ولم يربطها، فجاء فيلمه مليئاً بالفجوات: لا نعرف شيئاً عن رفيق، لا بأس، لكن أيضاً لا نعرف شيئاً عن الشخصيات الأخرى التي كانت أفعالها غامضة لا مبرّر لها. فخلق إثارة نفسية يتطلّب من جميع عناصر الفيلم والشخصيات العمل معاً، لكن في فيلم بن عطية كل شيء جاء فقيراً. عناصر الشريط ليست موجودة والشخصيات غير منسجمة على الشاشة، والمشكلة الكبرى أنّ بن عطية لم يتقن استخدام المساحة. في مشهد البيت الذي يستحوذ على كامل الفيلم تقريباً، لم تعرف الشخصيات كيف تتحرك فيه وكيف يحرك بن عطية الكاميرا أو حتى حدود وغرف البيت، وهذا شيء ضروري في مشاهد الإثارة ذات المساحة الواحدة الضيقة.
ما بدأ بطريقة ممتازة، انحرف ليكون شيئاً باهتاً ومملاً وغير مقنع على الإطلاق. ترك بن عطية قصته الأساسية التي كان ممكناً البناء عليها كثيراً، وذهب نحو شيء لم يخدم قصّته ولا الفيلم، وانتهى بسقوط حرّ من السماء بلا أي معدات حماية.