لعلّها الأيام القاتمة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ما يدفع الناس في الوطن العربي إلى مشاهدة الـ «ستاند أب كوميدي» والسخرية من الأنظمة والسياسة والحياة معاً. يحلّ المقدسي المقيم في السويد علاء أبو دياب ضيفاً على بيروت، حيث يقدّم عرضه «مش أبيض» في «مترو المدينة» (12 و13 أيلول) قبل أن يختتم به ملتقى «مشكال» في 14 أيلول. يحظى الفنان الفلسطيني بشبه إجماع بأنه يجيد حرفته الكوميدية، يحكي الأشياء بلغة مباشرة، ويسخر بلغة خاصة. بدأت لعبته في جذب الجمهور بالتركيز على نقطتين رئيسيتين في الشارع الفلسطيني بدايةً، ثم العربي لاحقاً. الأولى هي القضية الفلسطينية، التي تمثّل حتى اللحظة نقطة التقاء/نقاش/ تفاعل بالنسبة إلى الغالبية العظمى من العرب وحتى غير العرب. ومن هنا تفسير الحالة التي صنعها الفيديو الذي نشره حول زيارة الفنان التونسي صابر الرباعي إلى الأراضي المحتلة عام 2016، والتقاطه صوراً مع ضباطٍ صهاينة، وكانت جملة أبو دياب الملفتة آنذاك: «إيش سويت يا صابر، مش المشكلة إنك طبعت، وزرت، كلهم بيعملوا هيك، المشكلة ليش تتصوّر» و«انت ما دعمت صمودنا، انت فرمته لصمودنا». كان أداء أبو دياب العفوي والذكي، وطرقه موضوع القضية الفلسطينية باباً مذهلاً وناجحاً في آن. النقطة الثانية هي هجومه القاسي على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس (أبو مازن). هجوم لا مثيل له، وخصوصاً من فنان فلسطيني، جعله يحقق ضجة كبيرة، وخصوصاً من كارهي الرجل الذين أحبوا فكرة أن ينتقده فلسطيني بلهجةٍ فلسطينية خالصة. يشرح أبو دياب بسخرية وبشكل يبدو كما لو أنه يوجه نصيحة أخوية للرئيس الفلسطيني إبان زيارة الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب: «بدنا نلاقي حل، هادا الزلمة (يقصد ترامب) إذا لقطك في رام الله، رح يعطيك دولة جنوبا إشارات البيرة وغربا برج فلسطين» غامزاً من قناة محاولة تمرير «صفقة القرن». هاتان النقطتان، ناهيك بالنقطة البديهية المتعلّقة بإقامته في السويد، وبالتالي استبعاد تعرّضه للملاحقة والأذية ممن يتعرّض لهم بالنقد/ السخرية؛ عوامل أعطته جرأة على زملائه وجعلت عمله مختلفاً إلى حدٍ كبير. أسلوب أبو دياب المباشر والأريحية العالية في التعاطي مع شخصيات سياسية مثل أبو مازن كما لو أنهما صديقان قديمان... كل هذا يُحسب للفيديو كما لأسلوب أبو دياب الكوميدي الخاص المستقى من إحدى أشهر شخصيات الـ «ستاند أب كوميدي» الأميركي من أصل أفريقي ديف شابيل الذي يُعد أيقونة هذا النوع من الفنون، وخصوصاً لمزجه بين السياسة العامة، والضوابط الخاصة كالجنسية واللون والعرق في أعماله.
جذب الجمهور لعبته من التركيز على قضايا الشارع الفلسطيني

خلال عرضه السابق «لوكداون» الذي قدّمه أيضاً في لبنان، حاول أبو دياب تقديم ما حدث خلال الحظر الصحي إبان مرحلة كورونا؛ مقارناً الحياة في الوطن العربي بمثيلتها في السويد. لعلّ أبرز ما تخلل العرض حديثه عن احتفال السويديين بـ «مئتي عام من السلام» مقارنةً بوضع العرب. مشكلة هذا الفيديو، كما أعمال أبو دياب ككل، أنه يخلط الأمور. يعلّق على موضوع الحروب في الوطن العربي، باعتبار أن معظمها تسبّب فيها العرب. هو لا يقول هذا مباشرةً، لكنه لا يشرح أن معظم هذه الحروب مفروضة، وأنها احتلالات. طبعاً قد يعلق بعضهم بأنها ليست مهمة الكوميديا، لكن تمرير معلومة ناقصة بهذا الشكل، قد يؤدي بمكان أو بآخر إلى حرف الأنظار عن جوهر المشكلة. أما إذا كان الهدف الإضحاك فحسب، فهذا نقاشٌ آخر. نقطة أخرى تعاب على أبو دياب هو عدم امتلاكه تقنيات الممثل رغم مهاراته الفطرية، وهذا ظهر بشكلٍ جلي في عرضه الأخير في بيروت قبل عامين تقريباً. أشرنا يومها في مقال في «الأخبار» إلى أنّ «دياب لم يوظّف تقنيات الممثل الصوتية التي تخوّله الاندماج مع تقلّبات العرض. هو يحتاج ربّما لجلسات «إدارة ممثل»، لأنّ المسرح مختلف عن فيديوات الفايسبوك، ويتطلب تقنيات ومهارات صوتية عالية. على مستوى الجسد، لا يتنقّل كثيراً على الخشبة. خيار تمثيلي قد يكون صائباً، في عروض مماثلة. لكن أن يقف مائلاً بجسمه طوال الوقت تقريباً، وفي البقعة نفسها، فهذا لا يحمل أي بعدٍ فني».
وأخيراً كي لا نحمّل الأمر أكثر مما يحتمل، إنّه عرض «ستاند أب كوميدي» قائم أساساً على لعبة السخرية الشهيرة التي تحضر حين تستنفد المجتمعات حلولها الناجعة لمشكلاتها الكبرى. لا ضير في ذلك، لكن المعضلة أنها مشكلات لا يجب أن نسخر أو نضحك منها فقط، بل ربما نحاول إيجاد ولو بصيص حلّ لها، مهما كان هذا البصيص ضئيلاً.

* «مش أبيض»: «مترو المدينة» (12 و13 أيلول) وملتقى «مشكال» (14 أيلول)