من «تجي نتجوّز بالسرّ» والمناجاة «الآسرة» لزميلها مهند زعيتر في أغنيتها الشهيرة «مهنّد مهنّد تقبر قلبي مهنّد»، مروراً بلازمتها المعتادة «سكسكيوزمي من الجميع»، وشيفرات نجاحها المتعددة مثل «بيبي» و«أسمِع» باللهجة البدوية، وانتهاءً بملاطفتها الجمهور المصري بسؤال أحد عناصر فرقتها: «همّ يا ياسر كلّهم بيضربوا برشام ولا إيه»... هكذا يمكن اختصار مسيرة مغنية الملاهي الليلية اللبنانية سارة الزكريا. مع ذلك، لا يمكن اعتبار نجاحها الجماهيري الكاسح، وانتشارها المدوّي على السوشال ميديا مجرد مصادفة. وأخيراً، تحولت الزكريا إلى «قضية رأي عام» بسبب القرارات الإقصائية التي اتخذت في مواجهتها في أكثر من بلد عربي.
(عباس سبيتي)

وهنا كان طبيعياً تلقّفها من مقدمي البرامج اللاهثة وراء الترند. عموماً، تمتلك سارة الزكريا كاريزما ما، ومقومات معيّنة، تؤهلها بجدارة لتسيّد مشهد الملاهي الليلية! هي قريبة من جمهورها الذي يحبّ أصلاً كل مغنية تحكي معه بلا حواجز، على أن تتخلل وصلتها جرأة تقديم أغنيات ربما كانت حكراً على مغنين رجال. ولعلّ جمهورها يجد فيها «فشّة خلق»، وخصوصاً أنّها تستعيد بعض الشتائم التي يتداولها الشارع العربي بكثافة، إضافة إلى بعض الحركات والرقصات المليئة بالإيحاءات، خفة ظلها الواضحة، وعفويتها الصريحة... هذه مسائل تزيد من حدود مطامحها، وخصوصاً عند شريحة من السمّيعة أو «الرقيصة» ــ إذا صحّ التعبير ــ التي لا تفكّر نهائياً في السوية الموسيقية والغنائية، إنما تريد الشعور بالنشوة وتحقيق رفاهية السهر الليلي بأعلى درجات الانفصال عن الواقع المأزوم.
قصّة المنع بدأت من مكتب نقيب الفنانين السوريين محسن غازي الذي اشترط توقيع تعهّد بعدم التلفظ بكلمات بذيئة على المسرح إذا أرادت إحياء حفلات في سوريا، إلى جانب زميلتها ريم السواس. يومها ردّت الأخيرة عليه في أول حفلة أقامتها خارج سوريا من خلال إعادة تدوير مقطع من أغنية صنعتها السوشال ميديا، تقول فيها: «أخذوني ع الرازي (أي مشفى الرازي) جلطني محسن غازي». هكذا، صارت الزكريا ومعها السواس أكثر شهرة، وربما زاد الطلب عليهما في محلات السهر. لكن الأسبوع الماضي، اصطدمت سارة الزكريا باستدعائها إلى التحقيق من قبل «نقابة الموسيقيين المصريين» ليتوّج الأمر بقرار منعها نهائياً من الغناء في مصر، بسبب قولها بعض الكلمات على المسرح في إحدى حفلاتها المقامة أخيراً هناك، وممازحتها واحداً من عناصر فرقتها بسؤاله إن كان الجمهور يتعاطى المخدّرات: «همّ يا ياسر كلّهم بيضربوا برشام ولا إيه؟». ثم انتشر مقطع مصوّر لها أثناء التحقيق تفيد فيه بأنها «لم تقصد الإساءة وتعتذر إذا أخطأت». مع ذلك، منعت من الغناء في مصر، ليصدر في الساعات الأخيرة قرار مشابه من «نقابة الفنانين الأردنيين» بمنعها نهائياً من مزاولة الأنشطة الفنية في الأردن، وبالتالي إلغاء حفلة كانت مقررةً لها في أحد أماكن السهر، بعدما أحيت حفلةً جماهيرية في الحادي عشر من شهر آب (أغسطس) الماضي.
تقدّم نسخة رديئة ومتهالكة من اللون الشعبي الشامي


عموماً مهما كانت الحالة التي تقدمها المغنية اللبنانية مع شبيهات لها، بعضهنّ ينحدرن في المستوى أكثر، إلا أنّ ثقافة المنع والإقصاء غير واردة في الفن، ولن تستطيع النقابات أن تنجز منعاً فعلياً بوجود السوشال ميديا مثلاً. ولا ننس صدور قرارات كثيرة في مصر في وقت سابق قضت بمنع مغني المهرجانات، لكنهم لم يتوقفوا، بل زادوا انتشاراً وشهرةً، بفضل ما حققته لهم تلك القرارات من تداول وربما خلق حالة من التعاطف معهم. ولن تتمكن كل القرارات النقابية أو الهيئات الحكومية الشبيهة أن تجعل من نفسها حارساً على الذوق العام. كل ما يمكن فعله في مواجهة موجات الرداءة، هو ظهور حالات نقدية تثقف المستمع، ثم لا بد من توسيع المنافذ، وتكريس الضوء الإعلامي حول المواهب الحقيقية حتى لا تبقى الساحة مشاعاً للمواهب المبتذلة والأصوات الرديئة.
بالعودة إلى مشكلة سارة الزكريا، فالأكيد أنها كلّما منعت في بلد، سيزداد الطلب عليها في بلد آخر، عدا عن أنّ السوشال ميديا مصدر دخل وانتشار حقيقي، وقائمة الممنوعات فيها مرتبط بالتحريض أو العنف والجريمة، أو المواضيع السياسية التي لا تروق للسياسة الأميركية! لذا لا يمكن أن تمنع أغنيات الزكريا وهي من أكثر المغنين في المنطقة تداولاً على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ حققت قناتها على يوتيوب أكثر من 124 مليون مشاهدة، في حين تحظى بقرابة مليون و100 ألف متابع على تيك توك، وأكثر من 4 ملايين و500 ألف إعجاب على المحتوى الذي تنشره. أضف إلى ذلك مشاركتها في الجزء الثالث من مسلسل «للموت» (كتابة نادين جابر وإخراج فيليب أسمر) بأغنية خاصة بعنوان «دُشَش» كتبت خصيصاً للمسلسل الذي عرض خلال شهر رمضان الماضي. حتى إنّ الزكريا وصلت إلى الكيان الصهيوني، إذ نشرت جريدة «هآرتس» الإسرائيلية نشرت تحقيقاً حول انتشار أغنية «تجي نتجوز بالسرّ»، وتداول جمهور الكيان كلمة «بيبي» بكثافة. عموماً، فإنّ اللون الذي تقدّمه الزكريا هو نسخة رديئة ومتهالكة من اللون الشعبي الشامي الذي ينبع من اللهجة البدوية القديمة، وقد بدأ انتشاره منذ القرن الماضي مع مطربات مثل نجاح سلام وسميرة توفيق وغيرهما.