ضمن فعاليات مهرجان «مشكال» الذي اختُتم أمس في «مسرح المدينة»، وُجِّهت تحية إلى المخرج المسرحي اللبناني الراحل مجدي بو مطر (1973 - 2022)، الذي رحل و«وحلّ مكانه فراغ هائل». إذ قدمت الممثلة السورية ندى حمصي، تقديماً وتعريفاً ضمن مشروع حمل عنوان «مجدي بو مطر، شعلة نار» (كتابة ندى حمصي، وإشراف لينا أبيض)، وثّق تجربته المسرحية وما حملته من مفاهيم مناهضة للعنصرية والتمييز، ومناصرة للعدالة الاجتماعية، وإشكاليات عالمَي الجنوب والشمال.

الأمسية التي حضرها عدد قليل من محبّي بو مطر، أصحاب الطفولة وشركاء المهنة، استحضرت بيوغرافيا المخرج المسرحي، الذي كان يعيش في كندا، حيث ترك حضوره وتأثيره، تحديداً في مجتمع اللاجئين والمهاجرين والوافدين والمهمشين. بو مطر الذي درس المسرح والفنون في «معهد الفنون» في الجامعة اللبنانية، وفي «الجامعة اللبنانية الأميركية»، صقل تجربته مع «المركز العربي الأفريقي للتكوين والبحوث المسرحية». وكانت ندى حمصي قد شاركته عدداً من الأعمال المسرحية. قدمت ندى شهادتها مستحضرةً معنى الوجود إلى جانب مجدي بو مطر مهنياً، وكيف أعطى تجربتها ــــ هي التي كانت وافدةً أيضاً إلى بلاد الغرب ـــــ إصراراً على استكمال الاستكشاف في المسرح، بدءاً من تأسيسه لـ «أم تي سبيس» المستوحى من كتاب «المساحة الفارغة» للمسرحي بيتر بروك، فضاءً يُعنى بالأصوات المهمشة والتعددية الثقافية، وصولاً إلى كل النتاج الفني والمسرحي الذي قدمه مع عدد من الممثلين المحترفين وغير المحترفين، متعددي الجنسيات، في محاولة للاعتراف بالاختلافات واعتمادها، لأنها ستحقق الوحدة العالمية والتغيير الاجتماعي، بالإضافة إلى مهرجان «أمباكت» الذي تأسس عام 2009، ويُعنى باستضافة الفرق المسرحية من دول العالم المهمش وخصوصاً أفريقيا، وأميركا اللاتينية.
على مستوى آخر، كانت طريقة عمل بو مطر المسرحية، تقوم على الارتجالات، التي تعطي الممثل حريته في استكشاف جسده، وجسد الآخر، وعلاقته مع الفضاء المسرحي، لتشكيل شبكة علاقات، تحمل معاني حياتية، اعتقاداً منه بأنّ لكل جسد عالماً، وثقافة، وتواصلاً، وخصوصية، وتأثيراً معيّناً. عمل مجدي بو مطر، مع ممثلين من لبنان، وسوريا، وأيضاً أجانب، وقدم أكثر من عشرة أعمال مسرحية، كان أبرزها «الشقف» (2018)، التي عالجت مواضيع الهجرة والتفتّت والموت بعدما شُنت الحروب في العالم العربي. تدور أحداث المسرحية «حول مھاجرين غیر شرعیّین من جنسيات مختلفة يتقاسمون الھروب من الواقع وتحقيق الأحلام، ولكل واحد منهم أسبابه الخاصة ومأساته التي دفعته إلى المخاطرة بحياته». يسلط العرض الضوء بشكل أساسي على محاولات السوريين العبور نحو عالم بعيد عن الموت، والدماء، والظلم والقمع. هذا العرض الذي كانت ندى حمصي قد شاركت فيه، أعادت تقديم مونولوج منه في «مسرح المدينة»، حيث جسدت دور الأم السورية، التي عبرت في قوارب الموت إلى إيطاليا، بحثاً عن ابنها. وفي طريقها إليه، علمت أنه قد لقي حتفه، شأنه شأن الشباب الذين رحلوا عن أرضهم بحثاً عن حياة أخرى. قدمت ندى مونولوج الموت هذا، واختصرت آلام أمهات سورية، وأوجاعهن. كان هذا العرض الذي قُدم على خشبة «دوار الشمس» في بيروت عام 2019، لا يزال حاضراً في نفوس وذاكرة المتفرجين، الذين شاهدوا تراجيديا أبناء المنطقة العربية، من قبل، وشهدوا على فواجع الأمهات السوريات تحديداً.
بالإضافة إلى ذلك، عرضت ندى حمصي شرائط مصورة من حياة مجدي بو مطر، المهنية، والحياتية، وفيديوات مسجلة من مسرحية «مواسم الهجرة» التي تحكي بشكل كوميدي عن مواقف يواجهها المهاجرون في كندا. وعرضت حيثيات مسرحية «آخر 15 ثانية» التي تقارب موضوع الإرهاب والتطرف الديني، انطلاقاً من العملية التي استهدفت المخرج مصطفى العقاد عام 2005 بين عدد كبير من الضحايا، إلى جانب مسرحية Exit Strategy التي تناولت حرب العراق. ومن الأعمال المؤثرة أيضاً Body 13 الذي يطرح موضوع الجنسانيّة وعلاقتها مع العرق والجندر والمثلية. بعد مدة قصيرة من غياب مجدي بو مطر، لا يزال العمل اليوم جارياً في المنظمات والكيانات التي أسسها. وبقي هذا الإرث الفني، حاضراً في ذاكرة ومخيلة فنانين وممثلين، عملوا معه، وشاركوه كل لحظات المجد، في الحياة والمسرح.