رحل حسين منذر أوّل من أمس في دمشق، وكانت «الأخبار» (29/4/2023) قد أجرت معه في نيسان (أبريل) الماضي حواراً يبدو أنّه الأخير له، قال فيه: «أنا عربي وأعشق فلسطين. أعشقها عشقاً لا يوصف. دمي واسمي وعنواني عربي فلسطيني أحمل بداخلي كل المكوّنات العربية». هذا العشق تجلّى في نحو 300 أغنية قدّمها أبو علي (كما كان معروفاً) وفي أداء تمثيلي في مسلسل «عزّ الدين القسام» (1981 ــ تأليف أحمد دحبور، إخراج هيثم حقي) الذي أنتجته دائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية، ولعب فيه دور الشاعر الشهيد نوح إبراهيم. ومع خمود نار «فرقة العاشقين» التي كان من مؤسسيها عام 1977، ظلّ منذر فلسطينياً، يغنّي لها بصوته الذي ما تغيّرت معالم قوته. على العكس، ظلّ صوته الذي ورثه عن والده «الصوتَ الجبلي القوي الذي يحمل بين طبقاته كل مشاعر الثائر الفلسطيني من حب وغضب وأسى وحنين».بدأ حسين منذر راقصاً في «فرقة أميّة» التابعة لمديرية المسارح والموسيقى في سوريا. تعلّم الغناء والصولفيج على أيدي الفنانَيْن عدنان أبو الشامات وعبد السلام سفر. وفي هذه المرحلة، التقى بالملحن الراحل وأحد مؤسّسي «العاشقين» لاحقاً الفنان حسين نازك، وقد بدأ معه مغنياً في مسلسل «البيادر» (1986 ــ تأليف وإخراج محمد يوسف العبادي)، كما غنّى معه في مسرحية «ليلة مقتل جيفارا» و«العطاش».
لاحقاً، أطلق الشاعر الفلسطيني الراحل وأحد مؤسّسي «العاشقين» أحمد دحبور على صوت منذر لقب «الرعد»، بعدما استمع إليه في مقرّ دائرة الإعلام والثقافة في دمشق، خلال أحد التدريبات على أداء أغنيات مسلسل «عز الدين القسام» الذي كتب دحبور السيناريو الخاص به. كما كان منذر يلقب بـ «المغنّي الشامي»، نظراً إلى لهجته الشامية، في حين أنّ الرجل لبناني، وكلّ أغانيه عربية فلسطينية من أجل فلسطين.
«أيام عزيزة على قلبنا جداً، لأنّنا قضينا أيام وسنين كتير كتير جميلة وحلوة، سافرنا إلى العالم كلّه، حاملين هالأغنية على كتفنا وماشيين». هذه الكلمات قالها أبو علي في ختام فيلم «ثنائية من العاشقين لفلسطين تغني» للمخرج بشّار حمدان. ظلّت الفرقة التي أسّسها مع إخوته نازك ودحبور والراحل عبدالله الحوراني وغيرهم، ضميره وشغفه حتى النهايات، وهذا الشغف هو الذي منعه من العمل مع السيدة فيروز. الحلم الذي ربما راود أي مغنٍ في السبعينيات والثمانينيات. فقد جاءه عرض من عاصي الرحباني كما قال في حواره الأخير لـ «الأخبار»: «خلال إحدى بروفات الفرقة في معرض دمشق الدولي كنت أغني وصادف وجود الفنان عاصي الرحباني رحمه الله والسيدة فيروز، فجذب صوتي اهتمام عاصي الذي تحدث إليّ بعد انتهاء البروفة وأبدى إعجابه بصوتي الجبلي وقوته، وعرض عليَّ العمل مع السيدة فيروز، وهي فرصة يحلم بها أي فنان بالعمل مع هؤلاء العمالقة، إلا أنّي اعتذرت منه ومن السيدة فيروز لأن «العاشقين» تجسّد كياني ولن أتركها ما دام الدم يجري في عروقي».
يرحل حسين منذر، وربّما في قلبه دمعة وابتسامة. دمعة لأنّه لم يعد إلى فلسطين بشكل دائم، رغم أنّه زارها مرة مع «العاشقين» وغنّى لحلم «الدولة الفلسطينية»، وابتسامة لأنّ صوته سيظل ينجد الآباء والأمهات والأجيال القادمة، لتعليم فلسطين بأجمل الطرق، بالصوت الخارج من فلسطين إلى ثورتها المستمرة.
يرحل حسين منذر بعد أشهر على رحيل رفيق دربه الملحن حسين نازك، ولن يفوتنا نحن الذين ننتظر العودة أن نغني حتى ذلك الحين: «والله لازرعك بالدار يا عود اللوز الأخضر، وأروي هالأرض بدمي تتنور فيها وتكبر، يا لوز الأخضر نادي فلسطين الخضرا بلادي، مدوا لي هالأيادي لحتى بلادي تتحرّر».