القاهرة | لقطة وحيدة في فيلم «فوي! فوي! فوي!» (106 د ــ كتابة وإخراج عمر هلال) أنقذته من مقصّ الرقيب. لقطة يظهر فيها أحد الأبطال وهو يشاهد أحداث التوتّر السياسي في عام 2013، سنة حكم الإخوان المسلمين، ثم عزل رئيسهم محمد مرسي. لولاها، لاعتُبر أنّ الشريط يحمل إسقاطاً على الوضع الحالي في المحروسة، حيث تكرار هروب الرياضيين واللعب تحت راية جنسيات دول أخرى، تماماً كما سعى إلى فعله أبطال العمل وإن اختلفت التفاصيل.قبل أيام من عروض «فوي فوي فوي» التجارية، تابع المصريون حلقة جديدة من مسلسل هروب الرياضيين للّعب تحت اسم دول أخرى، وخصوصاً في بطولات دولية. أحدث الحالات التي سُجّلت كانت للاعب المصارعة الحرّة، سيف شكري، الذي استغلّ عبوره (ترانزيت) في مطار دبي وهرب إلى بولندا. ظاهرة متكرّرة تعقبها دوماً تعليقات تتمنّى التوفيق لمن ينجح في الخروج من نظام رياضي يضطهد المواهب. لكنّ بطل فيلم «فوي فوي فوي» الذي جسّده باقتدار الممثّل المصري محمد فرّاج لم يكن رياضياً، بل حارس أمن يعيش حياة مُعدمة ويريد السفر بأي شكل. خاف الهجرة غير الشرعية ومضى يبحث عن أبواب أخرى. وعندما علم أنّ فريق كرة قدم للمكفوفين سيسافر للمشاركة في بطولة دولية، أفاد من مهاراته الكروية وادّعى فقدان البصر وانضم للفريق. وبالفعل، بدأت الخطة تنجح مع مواجهة العديد من العقبات التي تغلّب عليها هو وزملاؤه في النهاية التي ألمحت إلى أنّ مَنْ هربوا، لم يجدوا حياة مريحة في أوروبا واشتغلوا في مهن متواضعة. نهاية كان لا بد منها لتمرير الفيلم مع اللقطة التي أكّدت على أنّ الأحداث تدور في عهد الإخوان المسلمين، تماماً كما حدث في فيلم «وش في وش» (تأليف وإخراج وليد الحلفاوي) عندما انقطع التيّار الكهربائي ليقول البطل إنّه انقطاع «نادر» لم يحدث منذ عام 2013. كأنّ كل سلبية تحتاجها الدراما لحبك الأحداث، لا بد من أن تعود إلى عام التخلّص من الرئيس الراحل محمد مرسي وجماعته.
لاقى الفيلم استحسان الجميع، وخصوصاً مع إجادة المخرج عمر هلال اختيار فريق التمثيل إلى جانب التفاصيل المتعلّقة بمواقع التصوير ووجود الحسّ الكوميدي في عدد من المشاهد. لكنّها كوميديا الموقف التي تُرغم المتفرّج على الضحك من دون أن ينسى أنّه في الأساس يشاهد مأساةً. أعطى الشريط دفعاً للأمام لمحمد فرّاج وزميلَيْه في رحلة الهرب طه دسوقي وأمجد الحجار، فيما أجاد بيّومي فؤاد شخصية مدرب الفريق ومعه محمد عبد العظيم طبيب اللاعبين المتخصص في العمى الذي يفاجئ الجمهور كالعادة بوجه مغاير قبل نهاية الأحداث. وعلى خطٍّ موازٍ، تميّزت حنان يوسف بشخصية الأم التي تريد لابنها الخلاص لكنّها لا تقوى على بعده، في الوقت الذي انقسمت فيه الآراء حول تجسيد شخصية نيللي كريم للصحافية التي تتابع الفريق وتقع في حب اللاعب الكفيف قبل أن تصدمها الحقيقة. إذ بدا الدور مقحماً في العديد من المشاهد لأنّ الصحافيين لا يتداخلون عادةً بهذه الطريقة مع المصادر.
لقطة واحدة أنقذت الفيلم من مقصّ الرقيب


عموماً، يعتبر «فوي! فوي! فوي!» من الأعمال السينمائية القليلة التي ناقشت قضية حقيقية، متخليةً في الوقت نفسه عن أسلوب الوعظ المباشر، مستنداً إلى فكرة مستوحاة من واقعة حقيقية نشرتها الصحف. ومن العوامل التي أسهمت في نجاح الفيلم أيضاً، جاذبية الموضوع والسؤال عن تفاصيل اللعبة، وخصوصاً معنى «فوي! فوي! فوي!»، وهي كلمة بالإسبانية تعني «أنا قادم» يقولها الكفيف وهو يتحرّك بكرة الجرس إلى الأمام، تفادياً للاصطدام باللاعب المنافس. وكلّ ذلك وسط توقّعات بأن تتزايد شعبية اللعبة بعد النجاح الذي حققه الشريط. ويبدو أنّ النجاح لن يقتصر على حدود مصر أو العالم العربي، بعدما فوجئ فريق الفيلم أثناء وجوده في الإمارات بقرار ترشيح الفيلم رسمياً لتمثيل مصر في سباق الأوسكار المقرّر في 10 آذار (مارس) 2024، ضمن فئة «أفضل فيلم أجنبي» وبفارق كبير عن أقرب منافسيه. جاء ذلك بعد الامتناع عن ترشيح فيلم العام الماضي لضعف المستوى، ليُسهم الخبر في زيادة الاهتمام بالشريط وسط توقعات بتحقيقه إيرادات مرتفعة. وهو ما من شأنه أن يرفع أيضاً معنويات محمد فرّاج الذي تعرّض أخيراً لحملة انتقادات عنيفة (الأخبار 18/9/2023)، ولسان حال «فيجو» الآن وهو متجّه صوب الأوسكار: «فوي! فوي! فوي!».

* «فوي! فوي! فوي!»: بدءاً من اليوم الخميس (سبتمبر) في الصالات اللبنانية