القاهرة | «جمعية الصحافة للخدمات والتنمية»، كيان جديد تابع لوزارة التضامن الاجتماعي، أثار غضباً عارماً في صفوف الصحافيين المصريين الذين اتهموا مؤسّسه بأنّه مثل «كعب أخيل» في الأسطورة اليونانية الشهيرة. أي أنّه سيكون موضع ضعف تُضرب منه النقابة في أقرب فرصة ممكنة. مؤسّس الجمعية هو عبد الرؤوف خليفة، الصحافي في جريدة «الأهرام» والوحيد من المحسوبين على الأجهزة الأمنية الذي نجح في دخول مجلس النقابة الحالي بين الأعضاء الستّة الجدد في انتخابات آذار (مارس) الماضي، والتي شهدت انقلاباً على ترتيبات النظام الحاكم، إذ سقط مرشّحه خالد ميري أمام مرشّح المعارضة خالد البلشي. لم يجلس البلشي على مقعد النقيب بمفرده، بل برفقة غالبية من المعارضة والمستقلين، الأمر الذي أتاح له تنفيذ إصلاحات فورية على المستوى الداخلي والتدخّل مراراً في ملف الصحافيين المعتقلين على المستوى السياسي. وهو الأمر الذي دفع الصحافيين إلى المقارنة شبه اليومية بينه وبين مجلس ضياء رشوان الذي أغلق النقابة ــ حرفياً وليس مجازاً ــ لأربع سنوات تقريباً بحجّة الترميم. مقارنات تتم عادةً عبر مجموعات تناقش يوميات المهنة على فايسبوك، وهي نفسها التي شهدت انتفاضة غضب ضدّ عبد الرؤوف خليفة الذي دفع بمجموعة من مناصريه لطرح آراء متوازنة حول الكيان المشكوك في أمره، لكن الغالبية الساحقة رفضت بناءً على خبرات الماضي القريب. فقد تأسس كيان «جبهة تصحيح المسار» بعد سابقة اقتحام رجال الأمن للنقابة في أيار (مايو) 2016 للقبض على صحافيين اعتصموا داخلها، لتتطوّر الأمور لاحقاً وتحويل النقيب نفسه واثنين من أعضاء المجلس للمحاكمة. تبخّرت الجبهة سريعاً بعدما أدت دورها، فيما وصلت الرسالة للصحافيين: لا تنتخبوا إلا المحسوبين على النظام. وهذا ما حصل. لكن حتى المحسوبين على النظام لم يقدّموا أي خدمات بل أغلقوا المبنى نفسه وزادت اعتقالات الصحافيين في عهدهم، ثم كانت الطامة الكبرى بالدفع بمرشّح يفتقد أدنى مميزات النجاح إلى مقعد النقيب، ليخسر أمام البلشي الذي تفوّق بالتصويت العقابي حين دعمه محرّرون من مؤسسات صحافية حكومية بسبب انهيار الأوضاع النقابية والتعامل باستخفاف مع ممثلي السلطة الرابعة منذ تولي عبد الفتاح السيسي الحكم في المحروسة.
هذه الخلفية ربّما توضح أسباب اندلاع الأزمة سريعاً ومن دون انتظار أي توضيحات من صاحب الكيان الوهمي الذي ومنذ انعقاد المجلس الجديد لم يظهر في صورة واحدة مع زملائه، ولا يدعمهم في أي نشاط جماعي ويقدّم خدمات بعيدة عن المجال المكلّف به رسمياً من المجلس. لا بل واتّهمت وزارة الداخلية بالتواطؤ معه وإعطائه نفوذاً لإلغاء مخالفات سيارات الصحافيين عند تجديد رخص القيادة لضمان ولاء هؤلاء عندما يقوم خليفة بأي تحرك مغاير. علماً أنّه أوهم متابعيه بأنّ الجمعية هدفها تقديم المزيد من الخدمات لأعضاء النقابة على غرار خدمات مخالفات المرور، لكن الحيلة لم تنطل على الأغلبية وبدأت حملة لتجميع التوقيعات لمطالبة مجلس النقابة بتحويل عبد الرؤوف خليفة إلى التحقيق. وهو ما استجاب له المجلس وأعلن عن اجتماع طارئ، أمس الأربعاء، للبتّ في الأمر، فيما تراجع خليفة نفسه وأخفى المنشور من صفحته الشخصية بانتظار ما ستؤول إليه عاصفة الغضب.
اللافت أنّ هذا الانشقاق يحدث بعد أيّام من إعلان الرئيس المصري دعم الصحافيين مادياً، في خطوة هي الأولى من نوعها. غير أنّ أجهزته على ما يبدو تعمل في اتجاه آخر، من دون مراعاة لحساسية التوقيت. فبينما يترقّب المصريون تفاصيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، ينزع أحدهم فتيل قنبلة موقوتة في 4 عبد الخالق ثروت، المقرّ التاريخي للنقابة، وكأنّ أحداً لا يتعلّم أبداً من دروس الماضي، حتى ولو كان قريباً.