القاهرة | ورقة مقطوعة من كتاب مدرسي مجهول العنوان ينشرها أحدهم متعجّباً من مضمونها، فينطلق جدل بلا نهاية. تحمل الورقة السيرة الذاتية للممثلة المصرية الكبيرة سميحة أيوب (1932)، تحت عنوان: «شخصيات مصرية مؤثرة». يكتفي صاحب الورقة بمعلومة يتيمة مفادها أنّها من منهج الصف السادس الابتدائي، قبل أن يعلّق بسخرية: «التلاميذ بيدرسوا سيرة تيتة رهيبة»، في إشارة إلى الشخصية التي قدّمتها أيوب في فيلم بالعنوان نفسه (إخراج سامح عبد العزيز) عام 2012 أمام محمد هنيدي. هكذا، اختُصرت سيرتها بهذا الشريط الذي حقق نجاحاً كبيراً، بينما الرحلة الفنية الحقيقية بدأت عام 1947 ولا تزال مستمرة رغم تجاوز عمر سميحة أيوب التسعين عاماً. الممثلة التي منحها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد لقب «سيّدة المسرح العربي»، أعربت عن سعادتها وعلمها المسبق بوجودها ضمن المنهج، لكن قلّة توقّفت عند اسم المادة. سميحة أيّوب ليست مدرجة ضمن منهج مادة اللغة العربية كما توقع كثيرون، أو الدراسات الاجتماعية حيث تاريخ الفن لا يشمله منهج الصف السادس الابتدائي في هذه المادة، وإنما مادة جديدة مستحدثة اسمها «الأنشطة والمهارات». من المفترض أن يتعرّف من خلالها الطلاب إلى معلومات عدّة حول المجتمع، من بينها المهن الفنية والإبداعية وأهمية التربية المسرحية، فيما يحصلون على معلومات عن الدور المهم الذي يؤديه اختصاصي الإعلام التربوي في المدارس ومذيعو الراديو واختصاصي التربية المسرحية في معالجة القضايا الاجتماعية، أي إنّ وجود سيرة أيوب الذاتية ضمن هذا السياق أمر مفهوم تماماً، وخصوصاً أنّ المادة ليس لها امتحانات ولا تؤثر في نجاح الطالب أو رسوبه. وكما هو متوقّع، كلما كان الفن جزءاً في مسألة ما، تنتشر التعليقات الرافضة لتدريس سيرة الفنانين في المناهج. وهو ما يشير بوضوح إلى أنّ العقلية المتشددة هي الأكثر نشاطاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً فايسبوك، وأنّ لدى هؤلاء الأشخاص القدرة على التعليق والتفاعل بما يجعلهم الأغلبية، كما ظهر في استطلاعات رأي عدة طرحتها الصحف حول القضية المثيرة للجدل. استطلاعات انتقدها فنانون، من بينهم صبري فوّاز، في ما بدا أنّه تشدّد مضاد. بدلاً من معرفة سبب الموقف السلبي من الفن وعلاجه، يكون الحل برأي فواز هو عدم السؤال أصلاً لأنّ الصحف ليست طرفاً في الموضوع (!).
سميحة أيوب في مسرحية «الزير سالم»

أما المفاجأة الأكبر التي لفت إليها الناقد طارق الشناوي وأحبطت المرحبين بالخطوة، فتتلخص في أن المعلومات التي تضمنتها الصفحة راوحت بين الركيكة والمغلوطة، وخصوصاً تلك المتعلّقة بتخرّج أيوب من «المعهد العالي للسينما» عام 1952، على الرغم من أنّه تأسس بعد ذلك بخمس سنوات. أما باقي المعلومات، فجاءت عادية ومتوافرة عبر الإنترنت وغير مترابطة، وخلت مثلاً من لقبها الأثير «سيدة المسرح العربي»، ما عكس لامبالاة واضع المنهج ودفع بعضهم إلى التساؤل عن معلومات خاطئة أخرى تتضمنها هذه المادة وغيرها. ترافق ذلك مع المطالبة بتصحيح الأخطاء على الأقل في النسخة الرقمية، انتظاراً لطبعة جديدة من الكتب في العام المقبل، وإعادة النظر في الصياغات الموضوعة عن الشخصيات العامة والتواصل معها مسبقاً لاختيار أبرز المعلومات التي يجب أن تدوّن عنها وتنقل إلى الجيل الجديد الذي سيجد نفسه بين حجرَي رحى. فهو من جهة سيتلقّى معلومات غير دقيقة أو منقوصة، ومن جهة أخرى قد يجد ذويه يسخرون من الفكرة برمتها عندما يمسكون الكتاب، فيما تاريخ المسرح العربي وسيّدته يذهبان هباءً بين معدومي الكفاءة.