القاهرة | «أي انتخابات مهندسة تُسحب من رصيد الشرعية». التعبير للصحافي المخضرم عبد الله السناوي الذي حذّر في أحد حواراته من «رسم الانتخابات هندسياً» لضمان فوز مريح للرئيس الحالي عبد الفتّاح السيسي، من دون الالتفات إلى أهمية المنافسة والمعارضة الاجتماعية التي تفوق بكثير المعارضة السياسية والجماعات المناهضة لبقاء السيسي لولاية جديدة.
أصدرت نبيلة عبيد بياناً مؤيداً للسيسي


أطلّت نيللي كريم في فيديو يؤيد ترشّح السيسي لولاية جديدة

غير أنّ ما تفعله حملة الرئيس الانتخابية، يصبّ في خانة ما حذّر منه السناوي. والدليل الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع، مظهراً الممثل المصري كريم عبد العزيز وهو يعلن تأييده لترشّح السيسي. بدا عبد العزيز كأنّه ينطق بكلمات أُمليت عليه، دفعت بعضهم للافتراض أنّه صوّره تحت التهديد. حتى إنّ مقدّم برنامج «جو شو»، يوسف حسين، استخدم الذكاء الاصطناعي ليظهر بطل «الفيل الأزرق» في الفيديو موثّقاً بالحبال. لكن ما يعرفه كثيرون أنّ كريم من الفنانين المفضّلين حالياً لدى النظام المصري، وهو يتمتع بمعاملة خاصة. وما لا يغيب عن المتابعين لما يدور في الكواليس، أنّ تفضيل الفنانين للنظام، لا يعني اقتناعهم بسياساته، لكنّهم محاصرون من جهات عدّة وبعروض تمثيل مختلفة، ويحصلون على امتيازات ربّما لا يحتاجونها، فقط للاستمرار في أداء الشخصيات المطلوبة منهم (مثل الدور الذي يلعبه عبد العزيز في مسلسل «الاختيار 2»). هكذا، من الطبيعي أن يعاني الفنان من صعوبة في التملّص من تلبية طلب لتسجيل فيديو تأييد، فهو «أمر شبه عسكري».

اكتفى أحمد السقا بتصريحات صحافية مؤيدة!


بدا كريم عبد العزيز كأنّه ينطق بكلمات أُمليت عليه

وهذا ما يفسر انقسام الناس بين متشدّدين يريدون من النجوم اتخاذ مواقف معلنة وواضحة ضدّ النظام، وبين متفهّمين يعرفون أنّ الوضع ليس بهذه السهولة، فأي محاولة للتهرّب تعني الجلوس في البيت. يلفت هؤلاء إلى أنّ أي محلّل للغة الجسد، سيدرك بسهولة أن الفيديوات أو حتى صياغة التصريحات تعني أنّ الفنان ليس مقتنعاً بما يقول. تحمّل كريم عبد العزيز الجانب الأكبر من الانتقادات بسبب شعبيته الواسعة، ولأنّه صاحب أوّل فيديو. لم ينتبه المتابعون إلى أنّ نيللي كريم أيضاً قدّمت فيديو، فيما اكتفى أحمد السقا بتصريحات صحافية مؤيدة لاستمرار السيسي. من جانبها، أصدرت نبيلة عبيد بياناً في السياق نفسه، ورد حسين فهمي وأشرف زكي وخالد زكي وهاني شاكر على استفسارات الصحافيين بأنّهم مؤيّدون بلا شك.
بمعنى آخر، يمكن القول إنّه حتى المؤيدين لم يستخدموا بعد حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي للإعلان عن مواقفهم من الانتخابات، سواءً كانوا مقتنعين بالسيسي أو مرغمين على إبداء الاقتناع. هذا التأييد الخجول رغم الانتقادات التي طالت أصحابه، يقابله تأييد صريح على مستويين: الأول من فنانين مصمّمين على الربط بين شخص الرئيس ومصر، وفي مقدمتهم محمد فؤاد الذي ظهر في حفلات «نصر أكتوبر» باكياً، يردّد: «لو مت اكتبوا على قبري مصر حبيبة فؤش».
ظهر محمد فؤاد باكياً في احتفالات «نصر أكتوبر»

وغالباً ما لا يتماسك فؤاد نفسه في الأحداث الوطنية الكبرى، ما عرّضه لانتقادات عدّة خلال ثورة يناير 2011. كذلك الأمر بالنسبة إلى فنان مثل أحمد فؤاد سليم الذي يعتبر حالياً الصوت الرسمي للنظام في معظم الأفلام الوثائقية التي تتناول «الإنجازات»، قبل أن يظهر في المشهد الأهم قبل ترشّح السيسي رسمياً على مسرح مؤتمر «حكاية وطن» ويؤكد بحسب شاشات نقلت مسيرات «مرتبة بالكامل» بأنّ الملايين يناشدون الرئيس لإعلان الاستمرار. قلّة هم الفنانون المؤيّدون من تلقاء أنفسهم، وتأثيرهم محدود في الشارع، وإلا لما طلب رجال حملة الرئيس فيديو من كريم عبد العزيز وتصريحات من أحمد السقا. لكن استُغلّ الشارع بطريقة أخرى وعبر مستوى ثانٍ من الفنانين المؤيدين، وهم مطربو الأغنية الشعبية الذين حُشدوا في الميادين مساء الإثنين الماضي بحجة إحياء حفلات اليوبيل الذهبي لـ «نصر أكتوبر»، في مقدمتهم رضا البحراوي، وبوسي ومحمود الليثي، ليوجهوا تحيةً للرئيس من منصة الاحتفالات وتنتشر تلك الفيديوات لاحقاً. وفي الوقت نفسه، صُوِّر تجمّع المصريين لمشاهدة الحفلات على اعتباره «مسيرات تأييد». إذاً، يدّعي النظام ظاهرياً أنّه مطلوب شعبياً، ويستعين بالممثلين لتأكيد هذا الأمر، إلا أنّ معظمهم حتى الآن يؤدون الدور جبراً لا اختياراً، في ظل «هندسة متعمدة للانتخابات» كما وصفها عبد الله السناوي.