وجّه المفوض الأوروبي للسوق الداخلية، تييري بريتون، تحذيراً شديد اللهجة إلى مالك شركة X (تويتر سابقاً)، إيلون ماسك، بشأن نشر محتوى غير قانوني ومعلومات مضلّلة على المنصة في سياق الحرب الدائرة بين كيان الاحتلال وحركة حماس. وأبلغ مكتب المفوض الأوروبي عن أدلة على قيام مجموعات بنشر معلومات كاذبة ومحتوى «عنيف وإرهابي» على X، داعياً ماسك إلى اتخاذ إجراء في إطار زمني مدته 24 ساعة. قبل أن نتوسع في ما حصل، لنستعرض كيف أدار إيلون ماسك X في الأشهر الماضية، وطبيعة موقفه السياسي إزاء ما حصل ويحصل حول العالم. الملياردير الجنوب أفريقي يؤكّد أنّه «مع السلام أينما كان». قال ذلك في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وعاد وكرره في الأيام الماضية تعقيباً على معركة «طوفان الأقصى». في الولايات المتحدة، أعاد ماسك تفعيل حسابات أقطاب اليمين الأميركي بعدما أخرستهم إدارة تويتر السابقة، ومن بينهم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وفتح ماسك المجال للإعلامي الأميركي المؤيد لترامب والمطرود من شبكة «فوكس نيوز»، تاكر كارلسون، لصنع برنامج حواري على المنصة يدعى «تاكر إكس»، ويتابعه عشرات الملايين حول العالم. عملياً، منذ استحواذه على المنصة العام الماضي، يحوّلها ماسك إلى كيان منافس للإعلام التقليدي بشكل واضح وجدّي. في الأيام الماضية والسابقة لـ «طوفان الأقصى»، شجّع ماسك متابعيه على أن يصبحوا «المواطن الصحافي»، وطالبهم بتصوير كل شيء من حولهم ونقله عبر المنصة. وقال أيضاً في منشورات أخرى، إنّ المعلومات والأحداث التي نشاهدها على X، تصل إلينا قبل الإعلام التقليدي بساعات وأحياناً بأيام. لكن هنا تجدر الإشارة إلى أنّ شركة «سبايس إكس» التي يملكها ماسك أيضاً، فعلّت كوكبة أقمارها الاصطناعية التي تبث الإنترنت من الفضاء فوق أوكرانيا، وكانت العمود الفقري للعديد من العمليات النوعية التي قام بها الأوكران ضد الروس. كذلك، وقبل أيام من بدء الحرب في فلسطين المحتلة، اجتمع ماسك مع رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، وتحدّثا عن الذكاء الاصطناعي وأمور أخرى كثيرة، من بينها «محاربة خطاب الكراهية والمعادي للسامية» على X.
بالنسبة إلينا نحن الذين تتمزّق قلوبنا أمام مشاهد الدمار والشهداء في غزّة، نستطيع التمييز أنّنا قادرون على التكلم بحرية على منصة X، وأن ننقل ما يُرتكب بحق الشعب الفلسطيني. فعلياً، ما يمكن أن نقوله هناك كافٍ لإغلاق حساباتنا على كل منصات «ميتا» (فايسبوك، إنستغرام وثريدز). وهذا أمر ما كان يمكن فعله قبل إيلون ماسك. لكن، لنكن واضحين، هذا لا يعني أن ماسك قد أمضى حياته مدافعاً عن القضية الفلسطينية. الرجل مدفوع في كل ما يفعله بهاجس الربح. والربح على منصة X حالياً يعني زيادة عدد المستخدمين والوقت الذي يتم إمضاؤه على المنصة. فمثلاً، مع بدء الحرب على غزة، واهتمام العالم كله بالتطورات الجارية، نشر ماسك تغريدة يدعو فيها الناس إلى متابعة مجريات الأمور من خلال حسابَيْن نشطَين جداً، أحدهما لبناني ومناصر لفلسطين يُدعى Warmonitors، والآخر غربي الهوى متضامن مع كيان الاحتلال. وعبر وقوفه في الوسط هنا، يحاول ماسك جذب الناس إلى المنصة للتفاعل ومشاركة آرائهم، إذ لا مكان آخر فعلياً لهم للتحدّث بـ «حرية». أي إنّ الخلفية ربحية فقط!
ما يمكن قوله على X كافٍ لإغلاق حساباتنا على منصات «ميتا»


بالعودة إلى تحذير الاتحاد الأوروبي، الجدير ذكره أنّ المفوضية الأوروبية قدّمت أخيراً قانون الخدمات الرقمية (DSA)، وهو تشريع شامل يفرض التزامات على المنصات التي تضم أكثر من 45 مليون مستخدم نشط شهرياً في الاتحاد الأوروبي، لمراقبة المحتوى غير القانوني وإزالته بشكل فعّال مع الحفاظ على الشفافية بشأن عمليات الإشراف على المحتوى الخاصة بها.
أحد الجوانب المثيرة للقلق التي سلّط عليها الضوء في رسالة تييري بريتون إلى ماسك، هو تداول الصور المزيفة والمتلاعب بها والمعلومات المضللة على المنصة. تشمل هذه الحالات إعادة استخدام صور قديمة من نزاعات مسلحة غير ذات صلة وعرض لقطات عسكرية من ألعاب الفيديو كمواد أصلية تتعلق بالحرب الحالية. تسهم مثل هذه الحالات من التضليل والمعلومات الخاطئة في خلق مناخ من الإرباك والقلق بين المستخدمين. لكن، فلنعد قليلاً إلى الوراء، أين كان موقف الاتحاد الأوروبي إبان الحرب في أوكرانيا؟ وماذا عن المشاهد الصادمة التي شاهدها الناس؟ أم إنّه عندما يصل الموضوع إلى نقل مشاهدات الناس عن وحشية الآلة العسكرية الإسرائيلية ضدّ مدنيين عزّل، يصبح الأمر قضية مكافحة إعلام مزيّف؟ وانطلاقاً من فهمنا لخلفية إيلون ماسك الربحية، نفهم أنّ ردّه على الرسالة بقوله «أرجو منك إدراج المخالفات التي أشرت إليها في X، حتى يتمكن الجمهور من رؤيتها»، على هذا الشكل، هو سخرية من المفوضية الأوروبية، ما يشكّل عامل جذب أكبر لمتابعي X ليشعروا أن مالك المنصة مؤيد صريح لحرية التعبير!