غزة | لم تعش الأسرة الصحافية في قطاع غزة، أوضاعاً أصعب من تلك التي تعيشها في «طوفان الأقصى». فضلاً عن اغتيال جيش الاحتلال أكثر من 10 صحافيين منذ بدء الحرب، حرم القصف الإسرائيلي الذي طاول المقدرات اللوجستية في القطاع من كهرباء وإنترنت، الصحافيين المحليين والدوليين، من القدرة على التواصل عبر الإنترنت أو شبكات الاتصال المحلية. إذ يتكدّس المئات من الصحافيين في مستشفيات «الشفاء» في غزة، و«شهداء الأقصى» في المنطقة الوسطى، و«الإندونيسي» في شمال غزة، و«ناصر» في جنوب القطاع. في تلك النقاط فقط، يتوافر هامش من الكهرباء لشحن أجهزة اللابتوب والكاميرات والهواتف. المواطنون الذين يشكون غياب الأخبار الدقيقة، واقتصار التغطيات على إحاطات عامة، عن مناطق القصف، لم يجدوا إلا المجموعات الإخبارية عبر تطبيق تليغرام لمتابعة الأحداث الجارية، مع أنّها أيضاً تعاني من مشكلات عدة أولها انقطاع التيار الكهربائي عن النشطاء، إلى جانب المستوى غير المهني لعدد كبير منها لأن من ينقلها ليسوا صحافيّين متخصّصين. في الميدان، يبدو الأمر أكثر صعوبةً، إذ لا تعطي الطائرات الإسرائيلية حصانةً لأيٍّ من الطواقم التي تتحرك على الأرض، ما يجعل إمكانية التنقل بالمركبات الممهورة بشارة press المضيئة في الظلام، مغامرةً محفوفة بالموت. يقول المصوّر الميداني عمر محمد: «عدد كبير من زملائنا، قُصفوا وهم في طريقهم إلى مواقع القصف، نشعر بعجز حاد، أكثر من 40 مجزرة طاولت الأسر الآمنة، بالكاد تمكّنا من الوصول إلى بعضها لنقل الصورة المهنية. نعتمد على توثيق الأهالي بهواتفهم». أما القنوات الفضائية، فهي الأخرى تعيش أوضاعاً لوجستية متردية، إذ لا وقود متوافر لتشغيل المولدات الخاصة بأجهزة البث sng، ومن المنتظر أن تنفذ شحنة بطاريات الكاميرات في ظل إعلان مستشفيات القطاع، عن قرب نفاد مخزونها من الوقود. في السياق، أدانت فضائية «الأقصى» التابعة لـ «حماس» قيام شركة Eutelsat الفرنسية بوقف بث القناة عبر قمرها الصناعي.
«تزدحم كل دقيقة، بالعشرات من الغارات وأخبار المجازر. ثمة مئات القصص والأحداث تستحق تسليط الضوء عليها في كل لحظة»، يقول الصحافي محمد أبو جياب، مضيفاً أنّ أكثر من 70 في المئة من الأحداث الميدانية، تغيب على نحو كلي عن المشهد، بسبب تعمّد الاحتلال الإسرائيلي، إما قصف الأبراج التي تضم المكاتب الصحافية وشركات الإنتاج، أو تهديد تلك الأبراج بالقصف، ما أجبر الطواقم على إخلائها في لحظات صعبة، من دون خطة طوارئ ولا تجهيزات. ويتابع: «ينقل الصحافيون المشهد في العموم، قصف في المناطق الغربية من شمال غزة مثلاً، من دون القدرة على تحديد موقع القصف، اغتيال عائلة كاملة، من دون نقل أسماء الشهداء أو عائلاتهم، وهذا يحدث ذلك توتراً بين الأهالي على الصعيد المحلي، وقصوراً في خروج المشهد الحقيقي لجرائم الاحتلال على الصعيد الدولي».
على أن الأزمة الأكبر التي تنتظر القطاع الصحافي، هو أن سلوك الاحتلال في القصف غير المعهود، أجهض خطط الطوارئ المعدة سلفاً، ما يعني أنه في غضون أيام قليلة، لن يستطيع أي صحافي التواصل مع الوسيلة الإعلامية الخارجية التي يعمل لصالحها. كما لن تستطيع الإذاعات والمواقع الإخبارية عبر الإعلام الجديد، تقديم أي إحاطة معلوماتية للأهالي عن الأحداث الميدانية الجارية.