في موازاة جنون آلة الحرب الإسرائيلية منذ السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الحالي، استخدمت قوّات الاحتلال ومن خلفها الغرب سلاحاً فتّاكاً: البروباغندا. ظنّ هؤلاء أنّهم عبر الروايات المضلّلة والأخبار الكاذبة المقرونة بالمجازر المتنقّلة، سيستطيعون كسب الحرب والرأي العام العالمي بعد الهزيمة الكبيرة التي مُنيوا بها مع عملية «طوفان الأقصى». ويندرج هذا في إطار تهيئة الجمهور لتقبّل تبدّل السياسة الصهيونية من الاحتلال والاضطهاد والفصل العنصري في غزّة إلى الإبادة الجماعية للأطفال والنساء. حتى أنّ الأمر وصل إلى درجة تبنّي الرئيس الأميركي جو بايدن خبراً زائفاً حول قطع رؤوس 40 طفلاً إسرائيلياً على يد المقاومة الفلسطينية، وهو ما تراجع عنه البيت الأبيض على لسان متحدث باسمه أكّد أنّ «لا الرئيس بايدن ولا أي مسؤول أميركي رأى أي صور أو تأكد من صحة تقارير بشأن ذلك على نحو مستقل»، مشيراً إلى أنّ تصريحات بايدن بشأن الفظائع المزعومة استندت إلى مزاعم المتحدث باسم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وتقارير إعلامية إسرائيلية.

وفي قلب هذه الحرب الضارية التي تُخاض على مستويات عدّة، لا بدّ للمقاومة وداعميها مكافحة البروباغندا التي عادةً ما تفترس عواطف الناس، وتستغل الانقسامات القائمة، وتتلاعب بتصوّراتهم خدمةً لأجندات محدّدة، بالاتكاء على تقنيات مختلفة تشمل التضليل الإعلامي وشيطنة المجموعات المستهدفة، وتجريدها من إنسانيتها وخلق خطاب يبرّر العنف والجريمة. ويجمع منظّرون إعلاميّون على أنّ مجابهة هذا الواقع تتطلّب اعتماد نهج متعدّد الأوجه، بما في ذلك محو الأمية الإعلامية والتحقق من الحقائق وتقديم الروايات البديلة والمساءلة ومكافحة الدعايات الكاذبة عملياً وغيرها. وفي الوقت الذي لا يخفى فيه على أحد النقص الذي تعانيه جبهة مقاومة الاحتلال على هذا الصعيد، برزت في الحرب الحالية أصوات على مواقع التواصل الاجتماعي تسهم على نحو أساسي في مخاطبة الرأي العام العالمي ودحض السردية الإسرائيلية وحلفائها في أوروبا وأميركا.
لعلّ أبرز هؤلاء هو جاكسون هينكل. إنّه معلّق وناشط سياسي أميركي بارز، اشتهر عبر برنامجه الحواري السياسي The Dive with Jackson Hinkle على يوتيوب الذي أوقف أخيراً (لمدّة 14 يوماً). بصفته خبيراً في السياسة الخارجية الأميركية والرقابة الحكومية، يستخدم هينكل صوته للتعمّق في تعقيدات العلاقات الأميركية والأوروبية مع القوى العالمية، ولا سيما روسيا والصين والدول الأفريقية. نجح خلال الفترة الماضية في جمع عدد كبير من المتابعين على السوشال ميديا التي حُجب من معظمها، فيما يقترب لغاية كتابة هذه السطور من حاجز المليون متابع على X (تويتر سابقاً). علماً أنّ حسابه على المنصة التي يملكها الملياردير الجنوب أفريقي إيلون ماسك تمارس ضغوطاً كبيرة عليه، ما يدفعه إلى الطلب من الناس الاشتراك في حسابه لضمان استمراريّته. وهو حاصل أيضاً على جوائز عدّة، بينما يجابه بتهم عدّة أبرزها التجسّس لصالح روسيا.
حسابه على X يتعرّض لضغوط كبيرة


هينكل الذي أدّى بطولة الفيلم القصير Concrete Jungle (إخراج جوشوا غرين ــ 2019 ــ 1 د.)، يواظب منذ 12 يوماً على نسف السرديات الغربية الزائفة التي يروّج لها بكثافة ضمن عمل آلة البروباغندا التي لا تهدأ، مستنداً إلى أدلّة وبراهين، ومتوجّهاً إلى «الرجل الأبيض» باللغة والطريقة التي يفهمهما جيّداً. وممّا قاله حول مذبحة قصف «مستشفى المعمداني» في غزّة: «لقد كذبوا عليكم بشأن العراق. لقد كذبوا عليكم بشأن فيروس كورونا. لقد كذبوا عليكم بشأن «روسيا غيت». لقد كذبوا عليكم بشأن حرب أوكرانيا. لقد كذبوا عليكم بشأن الأطفال مقطوعي الرؤوس. لكن هل تعتقدون أنّهم يقولون لكم الحقيقة بشأن من قصف المستشفى في غزة؟ استيقظوا».
كثافة النشر وسرعة الأداء ودقّة المحتوى، دفعت بكثيرين إلى التساؤل عن حجم الفريق الذي يعاون جاكسون خلف الكواليس، إذا «لا يمكن أن يكون ما يفعله عملاً فردياً»، وفق معلّقين.



... وأحمد م. ياسين يرابط على الجبهة (الإلكترونية)


كثيرون هم الناشطون اللبنانيون والعرب الذين يشاركون في مواجهة البروباغندا الإسرائيلية والغربية. منذ اللحظات الأولى لـ «طوفان الأقصى»، لفت أحمد م. ياسين (1990) الأنظار على X. دخل الصحافي والمدوّن اللبناني الشاب المقيم في الدوحة عالم التدوين في عام 2010، متميّزاً بأسلوبه السهل الممتنع. نشر مقالات في صحف لبنانية وعربية عدّة، كما تولى رئاسة تحرير موقع «الحقيقة» الإلكتروني، وعمل كمراسل ومعدّ في قناة lbci اللبنانية، قبل أن يحطّ في «التلفزيون العربي» في قطر. في محاولة منه للمشاركة في المعركة ورفع الصوت عالياً في وجه الروايات الكاذبة المسيطرة على وسائل الإعلام الغربية المهيمنة، ومواقع التواصل الاجتماعي، يحرص ياسين على إبراز الأخبار الصحيحة بكثير من الهدوء والتروّي والمسؤولية، داعياً متابعيه طوال الوقت إلى التحقق من الأنباء قبل تداولها. ويسهم المحتوى الذي ينشره أحمد (الصورة) إلى بثّ الطمأنينة في ظلّ الأجواء المشحونة الغالبة على المشهد، وفق ما يؤكّد متابعون له. على سبيل المثال، نفى ياسين الأخبار التي تتداولها صفحات وحسابات عدّة عن انسحاب قوّات اليونيفيل من لبنان على عجل، كما وثّق مراراً استخدام الاحتلال الإسرائيلي للقنابل الفوسفورية المحرّمة دولياً على حدود لبنان الجنوبية.