القاهرة | في الأيام الماضية، كان العدو الإسرائيلي والعالم العربي في الوقت نفسه، على موعد مع نجم «إعلاني» من نوع جديد، وشهرة لم تحدث من قبل، فكيف تصبح نجماً وأنت لا يعرفك أحد؟ لم يرَ منك الجمهور سوى عينيك؟ منذ خروج «أبو عبيدة» المتحدث الإعلامي لـ «كتائب عز الدين القسّام» للحديث عن تحركات المقاومة وانتصاراتها على العدو الصهيوني منذ بداية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، استحال نجماً متربّعاً في قلوب العالم العربي ووجدانه، حتى بات اسماً يريد الآباء إطلاقه على الأبناء الجدد.

أحد «الكوميكسات» الشهيرة الآن على السوشال ميديا ملخّصها أنّ رجلاً يقول لزوجته إنه اختار اسماً لابنه هو «أبو عبيدة» الذي يخرج للحديث عن عملية عسكرية، فتصبح صفحات السوشال ميديا في العالم العربي ممتلئة بكلامه، أو تحديداً وعيده للعدو بأنه لن ينتصر. يتداول جمهور السوشال ميديا كثيراً عباراته التهكّمية على إسرائيل، وكلمات من خطابات «أبو عبيدة». جمل وعبارات تبيّن إلى أي مدى أصبح هذا الملثّم القوي جزءاً من أحاديث الناس اليومية في العالم العربي!
إذا كان هناك من ينتقي ويكتب لـ «أبو عبيدة» كلمات خطاباته، فهذا يستحق الثناء لأنّه كاتب خطابات محترف تماماً، يدرك أسرار الحرب النفسية والإعلامية، وربما يكون «أبو عبيدة» هو نفسه الذي يكتب هذه الكلمات. لا أحد يملك معلومة أكيدة، تماماً مثل كل شيء محيط بالرجل الملثّم الذي لم تنجح إسرائيل حتى الآن في معرفة من هو! لكن كلماته تعبُر دوماً وبسهولة إلى وجدان العالم العربي، بل إنّ كلماته المنتقاة بعناية تتجاوز حجب مارك زوكربيرغ فيما يستخدمها ناشطو الفايسبوك كمنشورات شخصية لهم، يتداولون جملاً من حديثه ويردون على بعضهم بعضاً بجمل أخرى ساخرة من العدو الصهيوني والفايسبوكي. ولا مبالغة حين نقول إنّ كلمات «أبو عبيدة» تجمع كثيرين قد لا تهمهم متابعة ما يحدث، لكنهم يرون في «الملثم» ملهماً جديداً تقول بياناته وكلماته بهزيمة «أسطورة» الجيش الإسرائيلي على يد رجال أقل في العدد والعتاد، لكنهم أقوى في عزمهم وإيمانهم بقضيتهم، فلا يفرّون أبداً حين يرون الموت كما يفعل الجنود الصهاينة أمام رجال المقاومة رغم أنهم يتحصّنون في الدبابات. كما أن طريقة أداء «أبو عبيدة» للبيانات تعطي انطباعاً قوياً لدى كل مشاهد بمدى أهمية ما يقول، وصوته الذي تتغير نبرته إذا كان يتوعد أو يقدّم معلومات عن العمليات العسكرية، تُضفي طابعاً جديداً حتى على فكرة البيانات العسكرية برمتها. والأهم أنه «لا يرغي» كعادة المتحدثين الرسميين، بل يقول «المعلومة المفيدة» ويمضي تاركاً عاصفة من التعليقات لمحبيه في العالم العربي، ومتوعديه من دولة الاحتلال.
براعة ملفتة في الحرب النفسية والإعلامية على العدو


«أبو عبيدة» هو الناطق الرسمي لـ «كتائب القسام» منذ عام 2006، أو هو المطمئِن الرسمي لكل عربي حرّ يتابع العدوان الإسرائيلي على غزة، والانتصار الحماسي عليه كلما أراد الدخول إلى أراضيها برياً. ظهر للمرة الأولى معلناً تنفيذ «حماس» عملية «الوهم المتبدد» التي قُتل فيها إسرائيليان وجُرح آخرون، وأُسر الجندي جلعاد شاليط، الذي أدخل إسرائيل دوامةً من المفاوضات حتى استعادته في عام 2011 مقابل 1027 أسيراً فلسطينياً. وقد خرجت إسرائيل من قبل بأكاذيب تدّعي فيها إن «أبو عبيدة» هو حذيفة سمير عبد الله الكحلوت، لكنها تبقى روايات إسرائيلية غير صادقة، «تبرد بها على نفسها» كما يقول المصريون في إشارة إلى المغلوب على أمره الذي لا يرى نفعاً من كل أفعاله سوى الحديث الكاذب. وكلما خرج «أبو عبيدة» للحديث «الصادق» المدعوم بفيديوات تؤكد الكلام على هزيمة إسرائيلية في غزة، تبدأ آلة الإعلام الإسرائيلية في مهاجمته.
بعضهم يذهب إلى أنّ «أبو عبيدة» هو «فانديتا» العالم العربي، وقد تزامن الفيلم الشهير V For Vendetta مع ظهوره للمرة الأولى عام 2006. في الفيلم يسعى البطل الذي يرتدي القناع إلى الثورة على الظُّلم في دولته، كما يسعى «أبو عبيدة» ورفاقه إلى محو الاحتلال عن أرضهم. ورغم اختلاف القضيّتين، ونبل القضية الفلسطينية وأحقية الشعب في أرضه، إلّا أنّ المسعى لرفع الظلم واحد... وحتماً ينتصر في الواقع كما في السينما.