القاهرة | كل شيء مختلف في الحرب الصهيونية المستمرّة على غزة. للمرّة الأولى تتولّى المقاومة الفلسطينية زمام المبادرة وتكبّد العدو خسائر فادحة، فيلوذ في القطاع المحاصر بطشاً وإبادةً. الواقع غير المسبوق على الأرض، انعكس متابعة مصرية غير اعتيادية على المستويات كافة لما يحدث منذ السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي.استقبل المصريون عملية «طوفان الأقصى» بأسلوبهم الساخر المعهود. ربطوها بالذكرى الخمسين لنصر أكتوبر وأطلقوا النكات التي سرعان ما ذابت في دموع الحسرة على شهداء غزة المدنيين، وخصوصاً الأطفال منهم. لكن مع مرور الوقت وتطوّر الأحداث، بات واضحاً أنّ أهالي المحروسة لم يكتفوا بمقاطعة البضائع الأميركية والأوروبية الداعمة للكيان الغاصب ولا بمشاهدة النشرات الإخبارية متحسّرين، بل دخلوا في كل التفاصيل واستخدموا مواقع التواصل الاجتماعي لدعم القضية بكلّ ما يملكون من إمكانات. دعم لم يتوقف عند حدود إدانة نجوم ورياضيين لم يتعاملوا مع الحدث بالاحترام الكافي، وإنّما تُرجم تضامناً من «المسافة صفر»، وكأنّ المصريين في غزة بالفعل. «المسافة صفر»، هو أحد التعابير التي يتداولها المصريون بكثافة في إطار مصطلحاتهم الجديدة حول غزة، وتشير إلى طريقة اصطياد رجال المقاومة الفلسطينية لغزاة غزة من أقرب نقطة.

(A.Shaqour Designer ــ الأردن)

الأمر نفسه ينطبق على «المثلّث الأحمر» الذي بات الرمز الأكثر تداولاً على حسابات المصريين والذي استخدمته «كتائب القسّام» في الفيديوات التي توثّق اصطيادها لجنود وآليات قوّات الاحتلال داخل غزة، إذ يظهر المثلث قبل ثوانٍ من إطلاق النيران على الهدف.
فنانو ومصمّمو الغرافيكس كانوا الأكثر تجاوباً مع الأمر، إذ اعتبروه التطوّر الطبيعي للمقلاع الفلسطيني المستخدم بكثافة في انتفاضة الحجارة عام 1987، كما ربطوه بالمثلث الأحمر في علم فلسطين. وظهرت رسومات وفيديوات يخرج فيها المثلث من العلم إلى حيث يشير إلى هدف إسرائيلي أمام أعين ومرمى المقاومة. التأثير المعنوي لهذا الرمز، دفع بالمتحدث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، إلى بثّ فيديو مساء السبت الماضي يستخدم فيه المثلث نفسه، لكن على أهداف فلسطينية، ما دفع المتابعين لتقريظه كالعادة واتهامه بالسرقة كما سرق أجداده الأرض ولا يزالون. الأهداف المؤكدة للمقاومة الفلسطينية، أدّت بالمصريين إلى وضع قائمة بالأسلحة والآليات الإسرائيلية، مثل الدبابة «ميركافا» الشهيرة التي سبق أن أنهت المقاومة اللبنانية أسطورتها في وادي الحجير في جنوب لبنان في حرب تموز 2006. ومع مرور الوقت، يحصد الناطق باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة، مزيداً من الإعجاب. فـ «الملثّم» يعدّ الشخصية الأكثر شعبية بين المصريين في هذه الحرب، نظراً إلى طريقة إلقائه البيانات ولغته العربية الفصيحة. حتى أنّ كثيرين باتوا يتداولون عباراته، كـ «لا سمح الله» الساخرة التي يوجّهها للحكام العرب. ويقول الناس إنّه نجح بإصبع واحد وعينين في التأثير المعنوي السلبي على العدو والإيجابي على أنصار المقاومة، في الوقت الذي تُحاط فيه هويته بالغموض.
ظهرت رسومات وفيديوات تمحورت حول المثلث الأحمر


في هذا الإطار، استغلّ الممثل المصري المطبّع محمد رمضان جماهيرية أبو عبيدة لتأكيد اهتمامه بالقضية الفلسطينية، حين صرّح بأنّه سيُطلق اسمه على الشخصية التي سيقدّمها في رمضان المقبل، وهو ما لم يحدث بالطبع!
لكن أبو عبيدة ليس الفلسطيني الوحيد الذي صار نجماً في المحروسة منذ بدء «طوفان الأقصى». على المستوى الإعلامي، يبرز اسم المراسل «الجزيرة» وائل الدحدوح الذي يعد الأكثر جماهيرية في البلاد الآن، سواء بسبب تغطياته المميزة والجريئة أو المأساة الشخصية التي تعرّض لها بقتل الاحتلال لأفراد من عائلته، قبل ظهوره أخيراً نازحاً من شمال القطاع إلى جنوبه. كذلك، يتابع المصريون بكثافة عدداً من المؤثرين والصحافيين المستقلين، بدءاً بأصغرهم سنّاً وأخفّهم ظلاً عبّود بطاح، وصولاً إلى أحمد حجازي وصالح الجعفراوي. وقد تمكّن هؤلاء من كسر حاجز المليونَي متابع عبر إنستغرام، لكن يبتعد عنهم بفارق كبير المصوّر الصحافي معتز عزايزة (14 مليون متابع) الذي يعد حالة خاصة في تغطية هذه الحرب عموماً، وكان أبرز من قلق عليه الجمهور المصري ليلة قطع الاتصالات عن غزة. ويتميّز معتزّ بأنّه يستخدم اللغتين العربية والإنكليزية، ولديه معدات تصوير متقدّمة جعلته شاهداً رئيسياً على الفظائع الذي يشهدها القطاع الذي إن أدارته مصر حتى عام 1967 لكنه لم يكن قريباً من المصريين مثلما يحدث الآن.