1
لا أحسنُ الرسمَ،
لكنَّني، في غياب الوجوهِ، أُجيد التخيُّلَ،
أحدِّث نفسي، ثم أسألُ:
- أيُّ عينيكَ أغلقتَ حين صوَّبت على حماة قلعتنا؟
«كانت اليسرىْ».
-وبأي شاهد اتَّرستْ؟
«بالصخورِ. لم يكن شواهد قرب المقامِ. قبور أطفالٍ، وحسبْ».
- والسبابةُ، هل ارتخت، عن الزنادِ، يا فتى؟
«ربما، حين باغتتني طلقة العراقيّ».
- وهل تذكَّرتَ، أهلكَ، يا وحيدُ، لتنجو مثلهما؟
«كلا. لم يكن لدي متَّسعٌ من الوقتِ… متُّ».

هاني زغرب ـــ «في حالة انتظار 10» (زفت ومواد مختلفة على كانفاس ـ 120 × 100 سنتم ـــ 2008)


-لكنَّني أزورك الآنَ، صدفةً، بعد ثلاثةٍ وسبعين عاماً،
وأربعة أشهرٍ، وستة وعشرين يوماً، ولديَّ متَّسع من الوقتِ،
هل من خاتمةْ؟
«لا شيء أجمل، في القنصِ،
من نشوة الفرق بين سرعة الضوء، وسرعة الصوتْ:
رصاصةٌ لك، أخرى عليكْ».


2

الحاكمُ العسكريُّ،
للمدينة التي لم تكن في العراقِ، كان عراقياً.
وأمُّه، التي قالت لأحفادها: «العربيُّ قتلَ الأفعى»،
كانت عربيةً. والعربيُّ، الذي بنى الجدار لئلا يسقط التلاميذ اليهود في الرَّدمِ،
كان فلسطينياً. والفلسطينيُّ الذي جاءَ، قبل أربعين عاماً، من الشرقِ، حاملاً بندقيّتَهُ،
ورسائل الخيبة من وراء الحدودِ، كانت خيط الحكايةِ. والحكايةُ التي وقعت في أوائل نيسانَ،
في القلعة الصليبية التي على التلِّ، لم تكن كذبةً، بل معركةْ. والمعركةُ التي أوجزَتْها
عبارة العدوِّ: «الطيرُ وقع في القفص»، على ذمَّة المورِّخِ،
لم تعد وثيقةً، في دفتر الحربِ،
بل صارت قصيدةْ.

3

أنا قاطع يدِيْ،
ورافع يد الربِّ عن مَنْحَرِ الكبشِ،
ومُطْلِق يد ابنتيْ، قبل ذبحها، في الجبالِ،
لتعرف أنَّها امرأة أو تكادْ. لم تكن أمُّها من موفيات النُّذورِ،
وأمِّيْ، التي عيَّروني بها، لم تكن من تُقاة المعابدِ، ولا أبي كان من سادة القومِ،
لكنَّني صرتُ قاضياً… جئتُ بالضَّربة القاضيةْ. قبل أن مَنَّ ربُّ الجنود عليَّ بالنصرِ،
لم أكن أعلمُ أنَّ كل هذي الدماء تلزَمُني كي أحسم المعركةْ.
والآن حان وقت الوداعِ، وحَمْحَمَ الموتُ، وسنوات حُكميَ
لم تَكْفِني كي أجوب الجهات، وذراعيَ،
التي قطَّعتْ مَنْ أُحِبُّ بالسيفِ،
تسَّاقطُ الآن منيَ، كي تَزْرَعَ الأرضَ،
بالمعجزاتْ.

4

الأحمقُ،
الذي لم يكن سامريّاً،
كان سيء الذَّوق في اختيار الهدايا.
لم تكن بندقيَّتهُ، التي لن تستخدمها كتائب الموت في المجزرةِ،
لعبةً للتلهِّي في يد الصبيِّ، ولا قرن كبشٍ، يعلن العيد بعد دحر الغريبْ.
والخالة الفاجرةُ، التي كانت تُعِدُّ شرائح التفاحِ بالعسلِ، وخبزاً يُلقونَهُ في الماءِ،
عصراً، كي تجفَّ الخطايا، لم تكن تعلم أن أختها قضت في حادث السير انتحاراً.
والجنرال البدينُ، الذي قدَّم استقالتَهُ مُكرَهاً، لم يكن يعرفُ أنه ما كان يحلمُ:
«كان ملاكُ الربِّ، والحياد شيمته وانتظار الفداءِ، قابضاً على البندقيةِ،
من كعبِها، وعلى زنادها، إصبعُ الطفلِ،
عريسِ الأضاحيْ. وعينُهُ على الفوَّهةْ»

5

«في الصَّيفِ،
قبل عام من الآنَ، عند بدء المدارسِ،
كان الفتى يعبِّئ القوارير بالماءِ، كي يبنيَ البيتَ…
وحين صادَفَ العربيَّ، الذي أرهق الحمار الجريح بأحمال من العنب والرُّمان والتِّينِ،
لم يُطل في المساومةِ، ولم تكن اللغة مشكلةً… اشتراهُ وأحمالَهُ، وطَبَّبَهُ،
ثمَّ وزَّع الفاكهةَ على صَحْبِهِ من الجُند الذين يحرسون البلادَ،
من حنين أصحابها والضَّجرْ. كان مختلفاً عن الصِّبْيةِ الكُثرِ،
الذينَ يقرأون الكتابَ، ويحفظون أسفارَهُ عن ظهر قلبٍ،
ولا يفهمونَها. لكنَّه اليومَ، وقد حانَ وقت الرُّقاد الأخيرِ،
والأهلُ يُنيمونَ المرايا بشالات الصَّلاةِ، قد صارَ ذكرى».
… يقول المعلِّم في إذاعة العدوْ.

* القدس، فلسطين المحتلة