في تقليد ثقافي عريق اشتهرت به بيروت، ووسط أجواء «تنافسية» حامية، يطلق «النادي الثقافي العربي» غداً الخميس «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» في دورته الخامسة والستين برعاية رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي تحت عنوان «أنا أقرأ بتوقيت بيروت». يأتي ذلك بعد أقل من شهر على انتهاء فعاليات «معرض لبنان الدولي للكتاب» الذي نظمته نقابة الناشرين اللبنانيين التي قلبت للنادي ظهر المجنّ عبر تنظيم معرض منافس رعته وزارة الثقافة اللبنانية وتخصيص مساحة كبيرة مجهّزة لوجستياً (رغم بعض الشوائب والمفاجآت كانفجار إحدى مواسير المياه) في «فوروم دو بيروت» واستقطاب مجموعة كبيرة من الناشرين العرب.
زينة عاصي ـــ «مدينتي 6» (كولاج ورق وأكريليك وحبر على كانفاس ـــــ 80 × 80 سنتم ـــ 2011)

لعبة «كباش» ناعمة ولو حرص منظموه على التصريح في حديث سابق لنا على استبعاد الصبغة التنافسية عن الحدث. هل يأتي التنافس بين الجهتين المنظمتين لمصلحة صناعة الثقافة في العاصمة التي اشتهرت بكونها مختبر الحداثة والأفكار في المشرق العربي؟ وهل سينعم القارئ اللبناني بترف الاستزادة من الثقافة والمعرفة، ولا سيما عبر برنامج ثقافي يستهدف به «النادي الثقافي العربي» كلّ الفئات العمرية، ويذهب إلى مناقشة قضايا راهنة في السياسة والاقتصاد والإعلام وغيرها؟ وهل سيصبّ جو المنافسة لمصلحة جَيب المواطن اللبناني المثقوب، الذي لا يزال حريصاً على اقتناء الكتب مع الخبز، ويعتبر وفرة هذه المعارض والتظاهرات الثقافية من البقايا القليلة لأَمارات العافية في الجسد اللبناني المنهك والمعطوب بالفساد والأزمة الاقتصادية الخانقة والاعتداءات الإسرائيلية على القرى الجنوبية. الحدث الفلسطيني لا يحضر في البرنامج الثقافي للمعرض، كما حضر بصراحة في المعرض المنافس عبر فعاليات خُصّصت لشعر محمود درويش وشعر المقاومة ودعم صمود الشعب الفلسطيني، إلا أن فلسطين ستفرض نفسها بقوة على إصدارات الدور اللبنانية والعربية التي سيتلقّف المتضامنون مع الشعب الفلسطيني المظلوم كل ما يمت بصلة إلى قضية العرب الأولى والأخيرة. نستعرض هنا أجواء الدورة الخامسة والستين من المعرض، وسط غياب لبعض دور النشر التي كان أصحابها في طليعة منظّمي «معرض لبنان الدولي للكتاب» مثل «دار الرافدين» (بيروت/ بغداد) و«دار التنوير» (بيروت/ تونس/ القاهرة)، وحضور لدور نشر أخرى غابت عن المعرض الأول («دار نلسن» مثلاً)، وأخرى نجحت في التوفيق في المشاركة في كلا المعرضين («دار النهضة العربية»، و«دار الآداب»)، مع رغبتنا الدائمة بأن نقرأ ونحبّ ونبدع بتوقيت بيروت.

تحيّة لشاعر المرأة و«فنان الشعب»
يكرّم المعرض أسماء كبيرة فرضت حضورها في الثقافة العربية، ولا سيما الشاعر السوري الراحل نزار قباني (1923 ــــ1998) الذي تستعيد بيروت ألقه وكلماته في لقاء بعنوان «قراءات في شعر عاشق بيروت نزار قباني» (السادسة مساء يوم 11/23) مع المسرحي رفعت طربيه وتقديم سلوى السنيورة بعاصيري. يأتي اللقاء في ذكرى مرور مئة عام على ولادة الشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، إذ يتلو طربيه باقة من أشعار قباني التي استظهرها محبّو الشعر العربي عن ظهر قلب، ولا سيما رائعته عن بيروت التي واسى بها المدينة المجروحة في قلب الحرب الأهلية وغنّتها ماجدة الرومي، إضافة إلى قصائد أخرى لقباني في الحب والوطن وقضايا العرب الكبرى. الاسم الثاني الذي يفرض حضوره بقوة على فعاليات المعرض هو الموسيقار المصري الراحل سيد درويش (1892 - 1923)، إذ يتحدّث الناقد والباحث والمؤرخ فيكتور سحاب والأب بديع الحاج (السادسة مساء يوم 11/25) عن دور درويش المفصلي في تطوير الموسيقى العربية والعبقرية المتوهّجة في التأليف والتلحين لـ «فنان الشعب» وباعث النهضة الموسيقية في العالم العربي، ويدير الندوة الناشر والشاعر سليمان بختي، مدير «دار نلسن» البيروتية. كما ينظم النادي لقاء حوارياً مع الشاعر هنري زغيب حول ترجمته الجديدة لكتاب «النبي» لجبران خليل جبران (السادسة مساء يوم 11/26).
وجبة دسمة تنتظر عشاق المسرح عبر إطلالة حوارية مميزة للفنان اللبناني رفيق علي أحمد مع الشاعر والإعلامي زاهي وهبي (السادسة مساء يوم 11/24) تستعرض المحطات الفنية والحياتية البارزة في مسيرة «الحكواتي» القادم من «يحمر الشقيف» الجنوبية من رحم الآلام والمعاناة ببطانية ومصباح (أتيت مهجّراً، كان يجب أن أحمل شيئاً يدثّرني في غربتي. «فجبت» الحْرام؛ ولما زرت القرية بعدها، حملت السراج ولم أزل أحتفظ به حتى اليوم، في مكان عال)، إلى بيروت التي عشقها وأسهم في نهضتها المسرحية والفنية بعدما اختاره المخرج الراحل يعقوب الشدراوي ليلعب دوراً أساسياً في مسرحية «ميخائيل نعيمة». ثم التحق بفرقة «مسرح الحكواتي» في عام 1979 بتشجيع من المسرحي الكبير روجيه عساف، لتكرّ سبحة أعماله المهمة من «من حكايات 1936»، إلى «الجرس» (1991) في مونودراما تحاكم الحرب الأهلية التي كانت تحطّ لتوّها أوزارها وليس انتهاء بأعماله الكبيرة مع الرحابنة مثل «آخر أيام سقراط» (1988)، و«حكم الرعيان» (2004) «جبران والنبي» (2005) وغيرها.

نجمة الإصدارات
في ما يخص الإصدارات، يفرض العدوان على غزة حضوره في هذه الدورة من «معرض بيروت للكتاب»، إذ بادرت «دار النهضة العربية» (بيروت) إلى إطلاق ثلاث مجموعات قصصية تحمل عناوين «خارج الفصول تعلّمت الطيران» و«النوافذ كتب رديئة» و«طريق النحل» للكاتبة الفلسطينية شيخة حسين حليوى، إضافة إلى مجموعة شعرية بعنوان «الهوّة التي هي أنا»: الكاتبة المولودة عام 1968 في قرية ذيل العرج البدوية على سفح جبل الكرمل وتعيش منذ عام 1989 في يافا المحتلّة لفتت الأنظار منذ أول أعمالها القصصية «سيدات العتمة» (2015) إلى نوع جديد من السرد في الأدب الفلسطيني تحت الاحتلال يحتفي بالذات والأحلام والبطل الهامشي ويتأرجح بين الواقع والخيال ويعالج ثيمات إنسانية ووجودية معقّدة، ما أهّلها للفوز بجائزة «الملتقى» للقصة العربية القصيرة في الكويت (2018). كما تبرز مجموعتان قصصيتان للكاتبة الفلسطينية نيروز قرموط في إصدار مشترك بين «دار ميريت (القاهرة) و«دار راية» (الشارقة/فلسطين)، الأول بعنوان «عباءة البحر وقصص الجديلة» يضمّ 15 قصة قصيرة، والآخر بعنوان «عبور: متوالية قصصية» كناية عن بورتريهات مُلتقطة بحدقة سينمائية تعرض مشاهد وتناقضات الحياة اليومية في فلسطين، في غزة والقدس ومدن الضفة وصولاً إلى أراضي الــ 48 ومخيّمات الشتات في الخارج، بما تزخر به من تفاصيل حياة النساء والأطفال والشباب، في تركيز على سؤال الهوية الإنسانية في التاريخ والجغرافيا بحبكة لا يعوزها التناغم داخل الفوضى، وتحدي الإنسان لآلة الاحتلال والقهر والظلم.

للأطفال حصّتهم مع عروض مسرحية وورش حكي

الكاتبة المولودة في مخيم اليرموك للّاجئين الفلسطينيين عام 1984 التي انضمّت إلى أسرتها في قطاع غزة عام 1994، توظّف في السرد لغة نسوية مناضلة وجريئة. إذ إنّ قصة مثل «كيف تستعيد النساء أجسادهنّ بعد الحرب» تتكشّف عن قالب تشويقي ولغة استعارية مكثفة «تصل الودّ بين صحراء وبحر، وتحقن الألم بين مدينتين»، مزاوجةً بين مدينتي غزة والقاهرة عبر مناقشة أعمال النساء البسيطة والناعمة، التي تلامس أدق التفاصيل المكوّنة للنسيج الاجتماعي، فالبطلة «تتمتع بقامة رصينة، مشدودة الساقين، محبّة للرقص، تجيده بثبات فرس تعلم كيف تقف على ساقيها. وأخذت تعلّم النساء فنّ الرقص في الغرف المغلقة عندما تنبعث أصوات التراويح من المسجد. كنّ النساء يدمجن بين صلاتهنّ ورقصهنّ، كنّ قدّيسات وعاهرات، كنّ ذلك التناقض الذي يشدّ الحياة إلى كونها حياة. كانت الحرب من أجل بيع الأسلحة، وكان الرقص من أجل تعليب الحزن في فرحٍ جديد. كنّ يتوافدن واحدةً تلو الأخرى، خائفات من سطوة سلطة دينية ترفض الاهتزازات في قلوبهنّ على ارتجاجات الموسيقى». أما في مجال الشعر، فيخصّص الشاعر اللبناني بول شاوول أهل غزة وفلسطين بمجموعة بعنوان «الذين يموتون خلف أعمارهم» وهو عمل ملحمي يهديه صاحب «بوصلة الدم» إلى أطفال غزة، الذين يجترحون معجزة الحياة والصمود في مواجهة آلة القتل والبطش الصهيونية المجرمة، في تصعيد للغة شاوول الشعرية التي طبعت تجربته المهمة، حيث يتبدى الواقع عارياً ونارياً تحت قصف الطائرات وتصدّعات الحجر والبشر، في نشيد يحتفي بالحياة المسروقة من براثن الموت والدمار. تجدر الإشارة إلى أن الكتاب يصدر في طبعته الثانية بعد نفاد طبعته الأولى عام 2009.

نقد وشعر وسياسة
لا يغيب النقد الأدبي عن إصدارات المعرض، إذ يخصّص الناقد والأستاذ الجامعي علي نسر كتابه الجديد «في شعرية القصيدة العربية» (النهضة العربية) لدراسة تطوّر النّظام الشّعري عبر نصوص مختارات بَدءاً من العصر الجاهلي، مروراً بالعصر الأموي، والعباسي، وعصر النهضة وصولاً إلى الحياة المُعاصرة وتحديداً عصر التغريدات والنّصوص «الفايسبوكيّة» التي أسهمت في تطوّر النّصّ الشّعري بشكلٍ لافت، ويحتفي المعرض بأصوات روائية جديدة تطلق باكورة أعمالها مثل اللبنانية حنين الصايغ في روايتها «ميثاق النساء» (دار الآداب) التي تغوص في البنية الاجتماعية والدينية لإحدى الطوائف اللبنانية وتميز بين الجميل من التقاليد وما يسبب السكوت عنه تعاسة اجتماعية ونفسية عبر الرضوخ المتوارث والسلطة البطركية بجميع أشكالها، وكذلك تحضر أصوات شعرية مخضرمة كالشاعر مردوك الشامي الذي يصدر مجموعة شعرية بعنوان «الشاهد الأعمى» عن «منتدى شواطئ الأدب». تحضر السياسة بكل إشكالاتها في البرنامج الثقافي عبر ندوة بعنوان «المسيحيون والسياسة في العالم العربي» يشارك فيها الوزير السابق طارق متري والباحثان نايلة طبارة وأنطوان سعد ويدير الحوار زياد الصايغ (الرابعة والنصف مساء يوم 11/25). لا يغفل برنامج المعرض كذلك عن الأزمة المعيشية الصعبة التي يرزح تحتها لبنان فيفرض الكلام الاقتصادي نفسه عبر ندوة «إخفاق صندوق النقد الدولي في معالجة أزمة لبنان واقتراح خطة بديلة: دور القطاع الخاص في النهوض الاقتصادي» (السابعة والنصف من مساء يوم 11/24) التي تستضيف كلّاً من الخبيرين منير راشد ورمزي الحافظ وتديرها سلوى السنيورة بعاصيري.
لا يغفل البرنامج الأزمة المعيشية الصعبة، فيفرض الكلام الاقتصادي نفسه في الندوات

كما تندرج ضمن فعاليات المعرض ندوة أخرى بعنوان «الخيار الاقتصادي البديل» يشارك فيها الباحثان ألبير داغر وأنطوان أبي زيد ويدير الجلسة الدكتور عصام خليفة (الرابعة والنصف من عصر يوم 11/26)، ويتضمن البرنامج حواراً مع الوزير السابق شارل رزق حول كتابه «اللحظة القومية الراهنة» (دار النهار، بيروت) يحاوره القاضي زياد شبيب (الخامسة مساء يوم 11/23)، وفي لفتة علمية-قانونية، يحضر الذكاء الاصطناعي في ندوة بعنوان «المفاعيل القانونية والأخلاقية للذكاء الاصطناعي» للباحثين أنطوان قربان وندى نصار شاوول (السابعة والنصف مساء يوم 11/25)، إضافة إلى احتفاء المعرض بـــ«بيروت عاصمة الإعلام العربي لعام 2023» في لقاء إعلامي بعنوان «هنا بيروت الريادة والمستقبل» (الرابعة مساء يوم 11/24) برعاية وحضور وزير الإعلام زياد المكاري. ويتخلل الحدث الذي يقدمه الإعلامي شادي معلوف مشاركة موسيقية لفرقة الفنان اللبناني هياف ياسين وإطلاق الإعلامية ماجدة داغر لكتابها «وجهة أخرى للزمن».

برنامج منوّع للأطفال
للأطفال حصّتهم أيضاً في فعاليات المعرض، إذ تُخصّص لهم مسرحية «صابر والعيد» بعرضين اثنين يومي الإثنين (11/27) والثلاثاء (11/28) في الفترة الصباحية (العرض الأول: 11-10 صباحاً والعرض الثاني 11h30-12h30)، إضافة إلى مسرحية «الغراب الأسود» (الأربعاء 11/29 العرض الأول 10h30-10h صباحاً، والعرض الثاني (11h-11h30 ومسرحية «ارقص معي» (الخميس 11-30 الساعة العاشرة صباحاً) ومسرحية «إضراب في جسدي» (الساعة 11h30 صباحاً). كما تُختتم أنشطة الأطفال بورشتَي حكي وأنشطة لإيهاب القسطاوي بعنوان «محاكمة طيور بريئة» و«السلاحف تنظّف الشواطئ» يومَي الجمعة (12/1) والسبت (12/2) بين الساعة 10 صباحاً و12 ظهراً.

* «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 65»: بدءاً من الغد حتى الثالث من كانون الأول (ديسمبر) ــــ من الساعة العاشرة صباحاً حتى التاسعة مساءً ـــ «مركز سي سايد آرينا» (واجهة بيروت البحرية).