في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، انطلقت الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في فندق «الريتز» في جدة، جامعةً نجوم السينما العالمية في السعودية حتى يوم غد. يُعدّ هذا المهرجان، الذي صُنع من الصفر بضخّ ملايين دولارات النفط في تمويله، كجزء من سياسة «التحديث» التي يقودها الأمير محمد بن سلمان التي تهدف إلى إضفاء صورة أكثر جاذبيةً على المملكة الوهابية. عبر «إصلاحاتها» ومشاريعها العملاقة (مثل مشروع Neom)، نجحت هذه الشخصية الطموحة في التغطية على المجزرة الحاصلة بحقّ اليمنيين أو تقطيع الصحافي جمال الخاشقجي في إسطنبول عام 2018. حتَّى إذا حكَّمَ أحدهم عقلَه وحاول استرجاع هذه الذكريات «القليلة» السيئة، فليودِّعْ أموال الدعم! وفقاً لشهادة نشرتها جوزفين هلاليا على صفحتها الخاصة على فايسبوك في 5 كانون الأول (ديسمبر) 2023، كشفت عن فقرة مأخوذة من البنود التعاقدية التي وقّعها أصحاب الحقوق الذين يحصلون على أموال من «مهرجان البحر الأحمر»، فإنّ «جميع محترفي السينما المستفيدين من الأموال السعودية سيكونون ملزمين تعاقدياً بإبقاء أفواههم مغلقة (تجاهَ كلِّ القضايا الحساسة مثل الديموقراطية والدين والتطبيع..)».

كما هي الحال غالباً في أنظمتنا الاستبدادية، تهدف السينما قبل أي شيء إلى إخفاء الواقع ووضع كل ما يدل عليه تحت السجادة (الحمراء). لكن في هذه اللحظة بالذات من التاريخ، حيث نشهد منذ شهرين على الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة، فإنّ السجادة الحمراء تواجه صعوبة بالغة في امتصاص الدماء التي تتدفّق. وكي لا ننسى، كان النظام السعودي على وشك التطبيع مع إسرائيل. ورغم وقوع آلاف القتلى، فإنه لا يزال يحاول إرضاء جميع أسياده مع مداراة نسبيَّة لمشاعر الأمَّة العربية. ولأنّ أهواء الأمير الطّموح ومشاريعه البهلوانيَّة الضخمة تعتمد دائماً على العم سام وحليفه الإسرائيلي، يمكننا أن نتخيل مدى لعنة محمد بن سلمان للقضية الفلسطينية وعودتها إلى قلب الجغرافيا السياسية العالمية في اللحظة التي بدأت فيها حملته الترويجية لمشروع Neom وفندق «سيرانا» Siranna المبهر.
ووفق ما وردنا، أُمر المشاركون في المهرجان بعدم إظهار دعمهم لفلسطين. إنّها التعليمات نفسها التي أعطتها اللجنة التنظيمية لـ «المهرجان الدولي للفيلم بمراكش» الذي اختُتم قبل أيام. وكانت مجلة Le desk الإلكترونية المغربيَّة قد نشرت فيديو على منصة X، حيث يظهر ممثلون ومخرجون من المدعوِّين وهم يمتنعون أمام الميكروفون عن الإدلاء بأي رأي عندما يُسألون عمَّا يحدث في الشرق الأوسط. للإشارة، فالمغرب أيضاً نظام ملكي مطبِّع مع الدولة الصهيونية.
المستفيدون من السعودية ملزمون بإبقاء أفواههم مغلقة تجاه القضايا الحسّاسة مثل التطبيع


السؤال الذي يطرح نفسه فوق السجادة الحمراء يتعلق بهؤلاء الفنانين الذين يشاركون في حملات التغطية على الإبادة الجماعيَّة: ماذا يفعل هؤلاء الفنانون؟ يتذكر أحد المخرجين التونسيين بمرارة ردَّ فعله على مقتطف العقد المذكور أعلاه، فيقول: «كاتبات وكتاب السيناريو، والمخرجات والمخرجون، والممثلات والممثلون، وما إلى ذلك، الذين يختارون إبقاء أفواههم مغلقة، يفعلون ذلك في أرواحهم وضمائرهم، وليس لأنهم ملزمون تعاقدياً بالقيام بذلك، وهو ما يشكِّلُ في رأيي خطورةً أكبر. دعونا لا نصدق أنّ كلّ صانعي الأفلام العرب صامتون لأنهم وقّعوا على عقد. إنهم صامتون لأنهم بكل بساطة جبناء وخدم ومتعاونون (بعقد أو من دونه)».

* صلب هذه المادة ترجمةٌ
بتصرف عن موقع debatunisie