-1-وردة الإعصار
(إلى فتيان غزة في العراء)

لست أبيض
ولا أسود
أيها الفتى
أنت الرماديُّ الذي لا صوت
يُسْمعه سوى الحدا
بين الركام أطلقْ نبضك
لا عليك
إن لم يَسمعْ صوتَك إلا الصدى
غابوا
أخوةُ البئر
فاصبر على قوم
خانوك
ثم أمعنوا فيك قتلا
ثم قتلا
اصرخْ ثم أمسكْ بالهواء
تراكَ في السماء صرتَ طيرا
بيتك المدى
ولهم عتمةُ الأحقاد
صدأ السكين
ينزّ بها دمكَ الأغلى
من كل ذهبهم وخيولهم
ومن كل نخلاتهم أعلى وأعلى
ماؤك البحر
وكلُّ بحرِك المالح أحلى
من عسلهم حتى لو كان
مصفّى مصفّى
ألفاً وألفاً أخرى
أيها الفتى
أعرني صوتَك الباكي
أغثني
لا تخفْ
أنت الحُرُّ في غمرة الركام
في وحشة الليل
لا تسأل عن أبيك
أو أمك
أو عن رفاق ما عادوا قبالتكْ
أفردّ يديك
وأنظر عالياً
ها هو الله يهبط
جناحين أبيضين واسعين
ورذاذَ مجد مدى الزمنّ
أنت الخالد
أنت السُنّةُ الباقية
أنت الوطن
أعرني حبك
أيها الفتى الرماديُّ
أعرني ما بان وما خفى
كل الجهات أنت
وأنت القبلة والمقتدى
أنت الصبي إذا تبسّمَ
أنت الشجاع إذ افتدى
عشر من السنوات
تمضي خلفك
ثم عشر أخريات
تكتب التاريخ
من الخراب
بدفق دمعك إذ يسيل دما
في شوارع غزة
تمحو به عارهم
فامضِ
لا تكترثّ
أنت الناي
وهم الفراغ
أنت القصيدة والصدر
أنت الدعاء
أنت الطوفان الأقصى
أنت النداء
وهم الظل والخواء
وكل موبقات الأرض
وجراد السماء
فامضِ أيها الفتى
واحداً.. مليوناً
أقل أو أكثر
امضِ
ساعةَ البأسِ
وردةَ الإعصارِ
امضِ يا فتى

-2-
.. وفي اليوم السابع
(الطوفان إذ أتى)
دعهم يلصقون بنا التّهمَ الشنيعة
ويقذفوننا بما ملكوا من سموم
ويقلبون النور ظلاما
والوردة الحمراء رمادا
دعهم يرونكَ
يا سليل الطهر حيوانا
ويحرقون الطفل فيك جنينا
دعهم يجرفون
الطريق إلى الله
دعهم في غيّهم يعمهون
فما عرفوا
أن الملائكة في اليوم السابع
طارت بأجنحة من نار
ومشت على ماء غزة
كما لم يمش من قبل يسوع
ولا كل الأنبياء
وما عرفوا أنهم سيمضونْ
كما البرابرة القدامى
ويختفونْ
وتعود الأرض
كما السماء
مأثرة مجد
وملعباً للأنقياء
المجد للشهداء
المجد للشهداء

-3-
كرمةُ الله
(إلى قره باغ في تغريبتها)

على تلك الدروب الملتوية
من «سيفان»
نزولاً إلى الوادي العميق في «كلبجار»
وعند ضفة النهر الأخضر
يحمل الهوى قلبَه
***
كنا زرافات
نخترق الغابات المحتشدةَ
إلى هناك
حيث يدا الله
تفتحان على السماء القريبة
***
هي «شوشي»
عشُّ النسور
ساحرةُ متوثّبةٌ
رجعُ الزمان
تأبى إلا أن تحيلنا
في منتصف الليل
عصافيرَ من حنان
***
وليس للفجر
من يسبقني إليه
سواي
لنمعن النظر إلى الآفاق البعيدة
***
لمن تكنس الطريقَ هذي العجوزُ
حيث الفراغ القاتل
ملءُ المكان؟
وهذه الثياب الملونة
لمن تتزحلق، ترفرف
على حبال العمارات العالية؟
ويا لتلك الأجراس
صمتها هو الأعلى
وأطفالها، أزاهيرُ الصدى،
هم الأحلى
***
... إلى «ستيباناكرت»
حيث في عبق الدخان
يلتقي العالم
في ساحتها المستطيلة العتيقة
تورث في القلب جمراً أحمر
مثل رمان بدايات الخليقة
***
وحين نغادر،
زرافات أيضاً،
لم نكن نعرف بعد سنة
بعد أربع سنوات
أن الآلهة حتى،
ستحمل أجراسها
يماماً في غمام
لكن الهوى، يا كرمة الله، سيبقى
ويعود القلب يوماً
ولو بعد ألف عام.