في اليوم الـ 71 وبعد حوالى 54 يوماً من دخوله القطاع، وبعد قتل جنود الاحتلال ثلاثة أسرى إسرائيليين يحملون الرايات البيضاء في غزة، وبعد اندلاع التظاهرات في الداخل الإسرائيلي نتيجة ما حصل، وسوداوية الأفق بالنسبة إلى قادة الاحتلال، وجد العدوّ اليائس الباحث عن صورة نصر نفقاً للمقاومة الفلسطينية في شمال القطاع على الحدود مع الكيان الغاصب. وصفه الاحتلال بأنّه أكبر نفق هجومي لـ «حماس» على الإطلاق في شمال قطاع غزة بالقرب من معبر «إيريز» الحدودي مع إسرائيل. وهو جزء ممّا أطلقت عليه القوات الإسرائيلية اسم «مترو غزة» ويمتد لنحو أربعة كيلومترات بعرض حوالى ثلاثة أمتار ويصل عمقه إلى خمسين متراً في بعض المناطق، وهو عبارة عن شبكة معقّدة تحت الأرض وتنافس تعقيد مترو أنفاق لندن.وفقاً لقوات الاحتلال، يُعدّ النفق جزءاً من «مشروع يقوده محمد السنوار، شقيق زعيم حركة «حماس» في قطاع غزة يحيى السنوار». ويضم فروعاً وتقاطعات عدّة مثل السكك الحديد وأسلاك كهرباء واتصالات، فيما يحتوي أيضاً على أبواب مقاومة للانفجار مصمّمة لمنع قوات الاحتلال من الدخول. وتُشير البنية التحتية الواسعة إلى مستوى من التطوّر في البناء كما تدعم تأكيد الاحتلال أنّ هذه ليست مجرّد أنفاق بل «مدينة إرهابية». جُهّز نظام الأنفاق الذي أُطلق عليه اسم «أنفاق السنوار»، بمسارات السكك الحديد على هيئة الموجودة في مناجم التعدين تمتد لمسافة أربعة كيلومترات، ما يسهّل حركة المواد والعمال داخل شبكة تحت الأرض. وشدّد المتحدث باسم قوات الاحتلال، دانيال هغاري، على حجم الاكتشاف قائلاً: «إنّه ليس نفقاً؛ إنّها مدينة. مدينة إرهابية حفرتها حماس». وأضاف أنّهم بصدد كشف «ثلاثة أنفاق أخرى على الأقل ذات حجم مماثل في غزة».
ونشر الصهاينة صوراً ولقطات للنفق الضخم. والأهم من ذلك، أنّ عرض النفق يشير إلى احتمال استخدامه في هجوم بالمركبات ضد المستعمرات الحدودية لغزة، وفقاً للعقيد حاييم كوهين، قائد اللواء الشمالي في فرقة غزة. الكشف عن النفق في هذا التوقيت يثير تساؤلات عدّة حول الاستخبارات الإسرائيلية وفقاً لصحيفة «فايننشال تايمز». فعلاً، نفق بهذا الحجم والتعقيد، كان تحت أعينهم مباشرة، يبعد 400 متر من معبر «إيريز». أين كل تكنولوجيا الرصد والرقابة وأجهزة التحسّس والاستشعار والتنصّت؟ وأين هذا العملاق والحصن التكنولوجي؟ فشل كبير لا يمكن تصوّره. ثم إنّ «حماس» كانت قد قالت إنّها بنت 500 كيلومتر من الأنفاق. أي بعد كلّ هذا القصف والدمار ومليارات الدولارات التي تُصرف في سبيل القضاء على المقاومة الفلسطينية، وبعد أكثر من شهرين، وجدت قوات الاحتلال نفقاً بطول 4 من أصل 500 كيلومتر من الأنفاق. مهزلة جيش بائس يبحث عن ضوء في آخر النفق، ليكتشف أنّه تورّط في مستنقع غزة. ورطة تتعاظم بسبب مكابرة الحكومة اليمينية المتطرفة، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، الذي يؤجّل موعد هزيمته السياسية عبر تصدير مشكلاته الداخلية عبر الحرب. وهو فعلياً يكسب أياماً لكن على حساب تعظيم الورطة. فما على المقاومة الفلسطينية سوى الصمود، في حين على الاحتلال كسر «حماس»، وهذا لن يحصل أبداً. ونقلت صحيفة «فايننشال تايمز» عن مسؤول إسرائيلي قوله إنّ تدمير أنفاق غزة «أشبه بالخيال العلمي»، كاشفاً أنّ تل أبيب تلقّت مساعدة أميركية قدرها 320 مليون دولار مخصّصة لتقنيات مكافحة الأنفاق لكن من دون جدوى.
بدا لافتاً عدم تعظيم الميديا الغربية للاكتشاف «الجلل»


في جولة على الإعلام الغربي، بدا لافتاً عدم تعظيمه للاكتشاف «الجلل». بعض الميديا الأجنبية، مثل شبكة «سي إن إن»، استخدمت مصطلحات مثل «زعم» في إطار حديثها عن قوّات الاحتلال. وفي السياق نفسه، قدّم المحلل العسكري لـ «سي إن إن»، الجنرال الأميركي المتقاعد مارك هيرتلينغ، تحليلاً يكشف بُعداً آخر من نتائج الكشف الجديد. فقد قال إنّ النفق يوضح صعوبة المعركة التي تخوضها قوات الاحتلال وإنّ وجود مثل تلك الأنفاق في كلّ غزة يعني أنّ المهمة البرية الإسرائيلية ليست سهلة، وإنّ الصهاينة بحاجة لاستكمال غاراتهم الجوية العنيفة على القطاع. وهو ما يتعارض مع مطالبات واشنطن المتكرّرة بتحييد المدنيين والاكتفاء بقصف أهداف محدّدة. بالتالي، يأتي الكشف عن النفق بمثابة حجة إسرائيلية لاستمرار القصف الوحشي والذي يُراد منه تطهير غزة وإبادة شعبها وتهجيرهم.
في عام 2013، نظّمت «إسرائيل» حملة إعلامية كبيرة عندما اكتشفت ما وصفته في ذلك الوقت بأنّه «أكبر نفق» بنته «كتائب القسام». كان طوله يبلغ نحو 2.5 كلم وعمقه يصل إلى 20 متراً، وكان يحتوي على شبكة اتصالات وكهرباء. وامتد النفق داخل أراضي قطاع غزة لمسافة تصل إلى 700 متر. حينها، خرج وزير الحرب السابق، موشيه يعالون، معلناً أنّ النفق يبدأ من مدينة خان يونس جنوب القطاع وينتهي في حقل زراعي في كيبوتس العين الثالثة. وأظهرت قوات الاحتلال صوراً للنفق الضخم، وقالت إنه كان مجهّزاً بالسكة الحديد الخفيفة وعربات نقل سريعة وفتحات جانبية. لكن ما الذي تغيّر منذ ذلك الاكتشاف؟ لا شيء! لم يؤثر الأمر على قدرات المقاومة الفلسطينية ولا على جهوزيّتها وقوّتها. بالعودة إلى النفق الحالي، وفي إطار اللعبة الإعلامية التي تسجّل فيها المقاومة الفلسطينية تفوّقاً على الصهاينة، توجّهت «القسام» عبر حسابها على تليغرام، أمس الإثنين، إلى الاحتلال بالقول: «لقد وصلت متأخراً... المهمة أُنجزت»، قبل أن ترفق المنشور بفيديو يضمّ مشاهد من عملية «طوفان الأقصى». في إشارة إلى أنّ النفق المُكتشف أخيراً أنهى المهمة المطلوبة منه في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي. أي إنّ كلّ العراضة الإعلامية التي قادتها قوّات الاحتلال ووزير الحرب يؤاف غالانت داخل النفق، لا تعني شيئاً على الأرض.