مع تواصل العدوان الصهيوني على الجنوب اللبناني والتصعيد في الأيّام الأخيرة، ولا سيّما بعد استشهاد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري الذي استهدفته مسيّرة إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية، طرأ تحوّل جديد لدى الإعلام اللبناني بشكل عامّ. فجأة باتت الأحداث في الجنوب اللبناني تحتلّ العناوين، واحتدّت اللهجة ضدّ كيان العدوّ أكثر من ذي قبل، وباتت بعض القنوات المهيمنة تنشر تقارير تضيء فيها علـى مواضيع مهمّة. لكن كالعادة، لم يخلُ الأمر من «أخطاء» و«زلّات» هنا وهناك، حصل أبرزها خلال الهرع إلى السبق الصحافي عند استشهاد قادة في المقاومة.السبق الصحافي هذا بدأ منذ استهداف الضاحية الجنوبية الأسبوع الماضي، مذكّراً بالمشهد الإعلامي عند كلّ حدث مشابه في السابق. فقد تتالت الأخبار العاجلة منذ اللحظات الأولى للانفجار رغم تضاربها بين المصدر والآخر، وعدم التأكّد من صحّة المعلومات إلّا من قلّة قليلة من الوسائل الإعلامية. هكذا، انتشر خبر انفجار استهدف سيّارة، وآخر عن انفجار استهدف مبنى، قبل التحوّل بعد معرفة طبيعة «الانفجار» إلى التكهّن حول هوية المستهدَف، وحتّى انتشرت أخبار تنفي استشهاد العاروري! وكان لافتاً عدم استخدام بعض القنوات تعبير «الشهادة» حتّى قبل معرفة هوية الشهداء، إضافة إلى إيراد mtv في نشرة أخبارها مساء اليوم نفسه بأنّ «إسرائيل» استهدفت الضاحية الجنوبية «معقل حزب الله»، وهو التعبير ذاته الذي استخدمته وسائل إعلام غربية لنزع الإنسانية عن أهالي منطقة سكنية وتبرير جرائم كيان الاحتلال!
أمّا يوم الإثنين الماضي، ومع استهداف العدوّ لسيّارة ما أدّى إلى استشهاد القيادي في المقاومة وسام الطويل، أطلّ السبق الصحافي برأسه من جديد، وشاركت فيه وسائل إعلامية عدّة، ما دفع بإحدى قريباته للقول على منصّة X إلى أنّها عرفت باستشهاده على المنصّة بسبب السرعة في نقل الخبر قبل «الإعلام الحربي» التابع للمقاومة، متمنيّةً تخفيف المنافسة حول مَن ينقل الخبر بطريقة أسرع. إلّا أنّ ذلك لم يمنع وسائل إعلامية من القيام بالأمر نفسه في اليوم التالي، بل أسوأ من ذلك، إذ نشرت خبراً كاذباً مصدره العدوّ. ورغم أنّها لم تمتنع عن نسبه إلى الأخير، إلّا أنّ صياغة الخبر أتت بطريقة «خالصة»، أي كأنّ ما يقوله العدوّ صحيح ولا حاجة لفعل «الزعم» مثلاً. مفاد الخبر كان ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت» و«هيئة البثّ الإسرائيلية» عن المتحدّث العسكري باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، حول ما ادّعى بأنّه «تصفية مسؤول وحدة المسيّرات أو القوّة الجوية في حزب الله علي حسين برجي». سارع «حزب الله» إلى إصدار بيان مساء اليوم نفسه ينفي فيه استهداف برجي، ورد فيه: «ادّعت هيئة البثّ في الكيان الصهيوني والمتحدّث العسكري باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنّ العدوّ قام باغتيال مَن أسماه تارةً مسؤول وحدة المسيّرات في حزب الله ومسؤول القوّة الجوية طوراً. مسؤول وحدة المسيّرات أو القوّة الجوية في الحزب لم يتعرّض بتاتاً لأيّ محاولة اغتيال كما ادّعى العدوّ». صحيح أنّ الوسائل الإعلامية عادت ونقلت مضمون بيان الحزب، لكنّ ذلك كان بعد مرور وقت طويل نسبيّاً من الخبر المنقول عن العدوّ من دون مسؤولية، مع ما كان يحمله من صبّ للزيت على النار في أوضاع كتلك التي يمرّ بها لبنان، ولا سيّما جنوبه.
برزت تقارير على قنوات مهيمنة تعطي المُشاهد معلومات ميدانية أو تاريخية مهمّة تدين كيان الاحتلال


على ضفّة أخرى، تبرز في المدة الأخيرة تقارير على قنوات مهيمنة تعطي المُشاهد معلومات ميدانية أو تاريخية مهمّة تدين كيان الاحتلال، وتُظهر همجيّته في التعاطي مع فلسطين ولبنان على حدّ سواء. في السياق، تنشر LBCI تقارير يومية في نشرات أخبارها تعكس هذا التوجّه «الحديث»، تراوحت في الأيّام الأخيرة بين مواضيع مثل تاريخ الاغتيالات الإسرائيلية في لبنان، وطبيعة المواقع الإسرائيلية التي تستهدفها المقاومة، وخطاب الإعلام العبري، وأساليب العدوّ في محاولة إخافة سكّان الجنوب، ووصلت حدّ نشر تقرير مهمّ مساء الأربعاء حول إهانة الإعلاميّين الغربيّين لضيوفهم العرب حمل لهجة حادّة ضدّ هؤلاء الإعلاميّين ووقاحتهم في عدم احترام أخلاقيات المهنة. لكن لكلّ قاعدة استثناء، فنشرت القناة تقريراً يوم الأحد الماضي تحت عنوان «احتمالات انزلاق الأمور في ساحة الجنوب نحو حرب واسعة واردة... وإسرائيل في أعلى جهوزيّة»! أمّا «الجديد» فتنشر تقارير تدين العدوّ منذ مدّة أطول، وتحاول في المدة الأخيرة أن تكون في مقدّمة نقل الرسائل الميدانية، ولا سيّما أنّها تبثّ موجزَين إخباريَّين في اليوم إلى جانب نشراتها الأربع. أمّا mtv فتنشر تقارير مشابهة لكن بوتيرة أقلّ بكثير، فيما ادّعت في أحد تقاريرها مساء الثلاثاء وجود «استغراب حول إصابة إسرائيل الهدف تلو الآخر في حزب عُرف بتنظيمه الحديدي». ووصفت عمليّات المقاومة بأنّها «معنويّة لا عمليّة تغيّر في استراتيجية إسرائيل»!
في المحصّلة، ورغم الأخطاء، إلّا أنّه من الجيّد أنّ الأحداث في الجنوب تحصل في المدة الأخيرة على اهتمام الإعلام اللبناني، ولا سيّما بشقّه المهيمن، بغضّ النظر عن الأسباب الكامنة وراء هذا الاهتمام، أكانت تعبيراً عن رغبة المشاهدين أم خوفاً من اندلاع حرب أوسع أم أموراً أخرى. هو تحوّل لافت بعد تغطية ضعيفة في المدة السابقة للاعتداءات الإسرائيلية هناك وعمليّات المقاومة، كان لاحظها اللبنانيّون وانتقدوها على منصّات التواصل الاجتماعي. لكن لا يجب التفاؤل باستمرار هذا الاهتمام، وهو أساساً ما زال غير كافٍ، ولو أنّه التفاتة يمكن البناء عليها.