في الأسابيع الأخيرة، تجاهلت وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية إلى حد كبير التصريحات التحريضية التي أدلى بها مسؤولون إسرائيليون بارزون، ودعت علناً إلى الطرد الدائم للفلسطينيين من غزة. ورغم تغطية الصحف الغربية لـ «المجاعة التي تلوح في الأفق في غزة»، إلا أن المقالات لم تتطرق إلى دعوات التطهير العرقي من شخصيات إسرائيلية يمينية نافذة. شدّد الإعلام الغربي في الأسابيع الماضية، أبرزه صحيفتا «نيويورك تايمز» و«تايمز»، على مخاطر المجاعة القادمة إلى غزة المحاصرة. هذا النفس التحريري من تلك الصحف، يُشعر القارئ بأن تلك الوسائل الإعلامية، في مكانٍ ما، تحاول نقل واقع شعب غزة الذي يحاول العدو الصهيوني إبادته وتهجيره منذ أكثر من 100 يوم.

لكن في الواقع، لم تستطع تلك الصحف الكبرى مواجهة أو نقد أو حتى نقل ما يتفوّه به قادة العدو عن دعوات إلى تطهير غزة من الشعب الفلسطيني. يورد تقرير نشره موقع mondoweiss في 12 كانون الثاني (يناير) الحالي، أن الإعلام الأميركي السائد، يتجاهل بشكل واضح دعوات التهجير الإسرائيلية بحق أهل غزة. ويسلّط التقرير الضوء على الصحافية المخضرمة في «نيويورك تايمز»، ستيفاني نولين، التي ما انفكت تكتب عن الوضع المزري في غزة، مشدّدة على تبعات سوء التغذية الحاد، وخصوصاً على الأطفال. ومع ذلك، فهي تمتنع عن نقل وكتابة أنّ سياسات «إسرائيل» تهدف إلى إجبار جزء كبير من سكان غزة الذين يبلغ عددهم مليوني نسمة على المنفى الدائم، تماماً على غرار عمليات التهجير التاريخية في عامَي 1948 و1967. ويمتد الفشل في معالجة هذه الادعاءات إلى ما هو أبعد من عدم نقل الوقائع وفقاً للتقرير، ما يعكس اتجاهاً أوسع في وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية. في أحد تقارير نولن، مُنح متحدث عسكري إسرائيلي مساحة واسعة لإنكار المسؤولية عن نقص الغذاء في غزة، وتحويل انتباه القارئ إلى أمور أخرى. ويُشير هذا النمط إلى تدخل تحريري محتمل من قبل كيان الاحتلال في تلك الصحف. وقد تعرضت صحيفة «نيويورك تايمز»، على وجه الخصوص، لانتقادات بسبب التقليل من أهمية تأثير العنصريين اليمينيين المتطرفين في «إسرائيل». إن إحجام الصحيفة عن فضح القوة المتعاظمة لهؤلاء المتطرفين، أبرزهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتش، الذين اندمجوا في حكومة بنيامين نتنياهو، يسهم في تلميع صورتهم. كذلك، من المستغرب تعامي تلك الصحيفة عن اعتماد نتنياهو على هؤلاء المتطرفين للحصول على الدعم السياسي داخل الكيان.
ومن الأمثلة الحديثة على هذا الاتجاه تعامل صحيفة «تايمز» مع اقتراح وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، بشأن غزة ما بعد الحرب، فكان عنوان المقال الرئيسي: «مع تصاعد الضغوط... وزير إسرائيلي يقترح خطة لغزة ما بعد الحرب». هذا أمر يسيء تمثيل خطورة الوضع. إنّه الوزير نفسه الذي قال إن «إسرائيل» تقاتل «حيوانات بشرية»، وهو نفسه الذي يريد إزالة أي صفة إنسانية عن شعب غزة تمهيداً للمحرقة والتهجير. من غير المقبول عنونة مقال بهذا الشكل، بما يفتقر إلى الإشارة الصريحة إلى التطهير العرقي، ناهيك بتقديم غالانت بشكل أكثر إيجابية من آراء الوزراء اليمينيين المتطرفين أمثال بن غفير وسموتريتش، اللذين يدعوان بشكل علني إلى إخلاء غزة من سكانها. الفشل في نقل أفكار ودعوات قادة اليمين المتطرف في كيان الاحتلال، لا يقتصر على صحيفة «نيويورك تايمز». إذ لم تذكرهم صحيفة «واشنطن بوست» أيضاً، في حين أن «الإذاعة الوطنية العامة» الأميركية (NPR) لم تذكر أسماءهم إلا لمدة وجيزة من دون الخوض في دعواتهم إلى الطرد الدائم للفلسطينيين. واللافت أنّ شبكة CNN، فشلت أيضاً في توفير تغطية لهذه القضية الخطيرة جداً.