تأكيداً على دور الفن في المجتمع وفي معركة الوعي وانتصاراً للسردية الفلسطينية، استكمل «نادي الكتاب» في «أكاديمية دار الثقافة»، جلساته الثقافية عبر ندوة: «دور الفن في المجتمع» في مكتبة الأكاديمية في مخيّم مار الياس في بيروت. وقد تحدث في الندوة كلّ من المسرحي والأكاديمي مشهور مصطفى، والكاتب حمزة البشتاوي، والفنانة التشكيلية سهى صباغ، والمسرحي والكاتب يوسف رقة والكاتبة تغريد عبد العال. وأدار الجلسة الشاعر بلال المصري.في الكلمة التقديمية، أشار الشاعر بلال المصري إلى برنامج المكتبة الذي يتضمن ندوات فكرية أدبية وفنية، إلى جانب قراءة كتاب كل شهر تحت عنوان: «نقرأ لنقاوم». وأشار إلى أنّ «نادي القراءة» سيناقش كتب الأسرى التي هي من إصدارات الأكاديمية، مشيراً إلى أنّ الفن «يعبّر عن القضايا الكبيرة ويرصد التفاصيل المهملة في الحياة اليومية». من جهته، أكد مشهور مصطفى أن الفن ينشأ من المعاناة البشرية للوجود. وفي فلسطين وغزة سيقف الفن أمام تحدٍّ كبير، «لأننا أمام مشهد سوريالي، فالصورة الحية المباشرة التي ينقلها الإعلام تشكل المدماك الأساسي للعمل الفني، لنعبّر عن الواقع بطريقة جمالية وفنية، ونستقوي على الواقع بالإبداع عبر أخذ مسافة من الحدث لاختمار التجربة». كما تحدث عن السينما الروائية، موضحاً أنّها تستطيع أن تقدم مشاهد أكثر تأثيراً من السينما الوثائقية وأكثر من النقل المباشر «لأنّ الذهن يدمن الصورة». ورأى أنّه يجب أن «نستعين بالحلم للتغلب على مسألة أعداد الشهداء، لنقدم تجربتهم الفنية والإنسانية». وقد تحدّث أيضاً المسرحي والكاتب يوسف رقة عن دور المسرح في المجتمع، فمن «الخطأ الاعتقاد أن الفكرة المسرحية هي التي تقود الجمهور إلى ما يريده المؤلف. مهمة الفن هي إظهار الفكرة بشكل جمالي، والجمهور إما يتفاعل معها أو يرفض. ورغم أن الفن وقف مع فكرة السلام، لكنه لم يتخلّ عن فكرة الحرية والعدالة والمقاومة ضد الاحتلال، وجميع الفنون تسقط أمام هاتف إنسان في غزة».
الفن الجيد أيضاً محارب ومستهدف بسبب سيطرة الفن الركيك، كما أوضحت الفنانة سهى صباغ، و«ظهور الفن الركيك بشكل ساحق قد جعل ذلك الفنان الجيد في الظل. والسبب سياسي طبعاً، لأن الناس يعتقدون أن الفن رفاهية فقط وكماليات. والفن خطير، لذلك هو محارب لأنه يوقظ الوعي في الناس. والفنون بعامة تأخذ وقتاً كي تختمر وأحياناً قد تنتج تحت تأثير الانفعالات. والفن هو سياسة بشكل غير مباشر، لأن هناك فنانين ومثقفين اغتيلوا كغسان كنفاني وناجي العلي وحتى لوركا. وهناك لوحات كثيرة أثرت في المجتمع مثل لوحة بيكاسو الـ«غيرنيكا» التي كان موضوعها المجزرة، فكشفت عن بشاعة النازيين والفاشيين».
أما الإعلامي والكاتب حمزة البشتاوي، فقد أكد أنّ الفن هو نتاج المجتمع، والمجتمع يتأثر بالفن على المستوى الثقافي، فـ «في العدوان على غزة، يريد العدو قتل المجتمع وقتل الفن، إذ دُمّرت كل المراكز الثقافية، والمسارح والمتاحف. والفن هو الحديقة المزهرة التي يلجأ إليها الناس. وفي الحالة الفلسطينية، استطاع الفن بكل أشكاله أن يواجه الرواية الصهيونية. وعلى جدار الفصل، برز فن الغرافيتي، الذي يؤكد على لسان حال المجتمع لمواجهة الاحتلال. وفي فلسطين قبل النكبة، كانت هناك دور سينما في المدن كافة. والآن استطاعت السينما الفلسطينية أن تقدم الرواية الفلسطينية بشكل إبداعي، إضافة إلى التلفزيون والفنون الأخرى كالأغاني الفلسطينية، فصار الفن جزءاً من المواجهة ولسان حال المجتمع الفلسطيني. والآن هو دور الصورة التي هي وثيقة خالدة».
ونوّهت الزميلة تغريد عبد العال بأنّ إلغاء معرض سامية حلبي في «جامعة انديانا» وإلغاء تكريم الروائية عدنية شبلي في بداية الأحداث، يؤكدان «أنّ الحرب على الفن أيضاً، فالإبداع الفلسطيني محارب أيضاً، لأنّ الفن هو وجهة نظرنا في هذا العالم، وهو مقاومة للقبح والبشاعة لأنه جمال أيضاً، وهو يعكس رؤية الفنان وماذا يريد أن يقول. فأحياناً بكلمات قليلة، يستطيع أن يقول صفحات هائلة من التفاصيل، فالسؤال هو: كيف يستطيع أن يلتقط هذه اللحظات الإنسانية الصادقة؟ وفي عملنا في الأكاديمية، سنركز على أن يكون هذا الجيل ثقافة بصرية، لأن فنّنا الفلسطيني يختزن ذاكرة وحكاية الفلسطيني».