القاهرة | عبر منصة إكس، كتب مدوّن كويتي، مطالباً دولته بمنح الجنسية الكويتية لجرّاح عظام مصري شهير. تكلّم المدوّن بمبدأ المصلحة، فما دام أنّ مصر تتهاوى - على حد تعبيره - وتتراجع اقتصادياً أمام دول أخرى (يقصد السعودية) تمنح الجنسية للفنّانين والإعلاميين، فلماذا لا تستفيد الكويت من الجرّاح؟ بالطبع، ردّ عليه كثيرون ومنهم الطبيب نفسه، بأنّ مصر تتعثّر ولا تسقط، تمرض ولا تموت. لكن الكلام الحماسي لم يغيّر شيئاً من الواقع، خصوصاً مع إصرار الرئيس لمجلس إدارة «الهيئة العامة للترفيه» في السعودية تركي آل الشيخ، على استمرار النار مشتعلةً بين البلدين، ورفضه تفادي كلّ مسبّبات الانتقاد التي تأتي من الشارع المصري المتخوّف من سحب البساط من تحت أقدام «هوليوود الشرق».
حصلت أنغام على الإقامة الذهبيّة السعوديّة

انتقادات المصريين موجّهة عادة إلى الإدارة المصرية التي أهملت كثيراً، وما زالت، الفنّ والثقافة في البلاد. فقد تعاملت مع الفنانين بكلّ ما لا يليق بالقوى الناعمة التي تحافظ عليها أصغر الدول، فكيف الحال بدولة بحجم مصر بَنت جُلّ مكانتها في المنطقة العربية على أكتاف المدرّسين والإعلاميين والفنانين؟ لكن بما أنّهم أساتذة في خفّة الدم، تطال الانتقادات آل الشيخ نفسه ومن حوله، وتتركّز النكات الساخرة على حالة النهم التي يتعامل بها «بو ناصر» مع النجوم المصريين والعالميين، واستقطابهم بالعشرات كأنّ «الفن هيخلص». حتى إنّ عدد النجوم في كل احتفالية سعودية، يفوق القدرة على التغطية. بل إنّ أكثر المتشائمين الذين كانوا يهاجمون نجوم مصر لأن معظمهم هرول وراء أموال المملكة من دون احتساب العواقب، لم يتوقع أن يستخدم تركي آل الشيخ استثناءً ملكياً صدر عام 2019، ويبدأ بحملة تجنيس المشاهير. استثناء يسمح بتجنيس الكفاءات العلمية والتخصّصات النادرة، من دون الالتزام بقانون وزارة الداخلية السعودية في ما يخصّ منح الجنسية.
كانت البداية مع عمرو أديب الذي أعلن في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي حصوله على الجنسية السعودية، فتحمّل كعادته السيل الأكبر من الانتقادات. لكنّ الإعلامي المصري الذي يبرع في إلباس الباطل ثوب الحقّ، خرج يعاتب الغاضبين، ويذكّرهم بأنّ قامات علمية مثل أحمد زويل، ومجدي يعقوب، وفاروق الباز، حصلت على جنسيات دول غربية من دون التشكيك في وطنيتها. تلك نقرة وتلك نقرة. لكن أديب الذي يعمل منذ 30 عاماً في شبكات ومؤسسات إعلامية سعودية، يُجيد خلط النقرات، بينما دخل محمد هنيدي إلى الجمهور المصري من باب «الحرم»، حين أعلن عن حصوله على جنسية «بلاد الحرمين الشريفين». كأنه حصل عليها ليُقيم بين مكة والمدينة فقط! علماً أنّه يتردّد بقوة أنّ الممثل الكوميدي حصل عليها قبل مدة طويلة، ولكنه لم يعلن عن ذلك إلا قبل أيام.
على مستوى قادة الفرق الموسيقية، فوجئ هاني فرحات ثم وليد فايد، بإعلان حصولهما على الجنسية على الهواء مباشرة. وكشف أخيراً عن نيل أمير عبد المجيد تلك الجنسية. وبما أنّ الأخير شبه مقيم في المملكة يعمل مع مغنّي السعودية منذ عقود، لم يهتم به الجمهور المصري، فيما ركّزت التعليقات الساخرة على نشر أسماء كلّ من فرحات وفايد في الإعلانات الأخيرة، مصحوبة بلقب «الموسيقار السعودي».
استخدام استثناء ملكيّ صدر عام 2019 لتبرير حملة التجنيس


هنا لن يتوقّف عمرو أديب عند واقع أنّ زويل وأمثاله لم يحصلوا على جنسيات غربية، لأنّ تلك الدول تريد الافتخار بهم. ولن يتوقّف أيضاً عند حصول أنغام على الإقامة الذهبية لا الجنسية هذه المرّة، على اعتبار أن الإقامات لن تثير الغضب، فلماذا لم يُكتفَ بها؟ الإقامة الذهبية هي بمنزلة التقليد الإماراتي الشهير، ولكن «بو ناصر» قرّر استنساخها كما استنسخ معظم إنتاجات «هيئة الترفيه» ومنحها لقرابة 300 فنان في الدفعة الأولى، حتى يتسنّى لهم الدخول إلى المملكة والخروج منها من دون الحاجة إلى استكمال تفاصيل إدارية، وطبعاً كي يتمكّنوا من الإفادة من مزايا المواطنين، كفتح حسابات في المصارف والعلاج الطبي وغير ذلك. الإقامات ستكون أقلّ عرضةً للهجوم من التجنيس، ولكنها لن تحدّ من قلق المصريين على مخزونهم الإبداعي الذي ينتقل تدريجياً وطوعاً إلى أرض المملكة، عكس ما فعله العثمانيون. كأنّ السعوديين قرروا إعادة نظام الكفيل، ولكن بمزايا تناسب النهضة التي يروّج لها ولي العهد السعودي. لن يحتاج النجوم إلى كفيل بالمعنى التقليدي كما كان يحدث للموظفين والعمّال منذ السبعينيات، ولكنهم سيحصلون على مزايا التجنيس والإقامة الذهبية في الوطن الجديد، فيما يأمل أهل المحروسة أن يستفيق الوطن الأم قبل فوات الأوان، وقبل أن يتحوّل هتاف ثوار يناير الشهير «عيش حرية عدالة اجتماعية» إلى «عيش حرية... جنسيّة سعودية».