لندن | تحصّل البروفيسور البريطاني المرموق ديفيد ميلر، الذي أقالته تعسفيّاً «جامعة بريستول» البريطانيّة بعد اتهامه بإيراد «تعليقات معادية للسامية» ضمن دروسه، على قرار حكم «تاريخي» من محكمة العمل الملكيّة في مدينة بريستول (غربيّ لندن) بأنّه تعرّض للتمييز بسبب آرائه الفكريّة المناهضة للصهيونية، وسيتسنّى له الآن أن يطالب الجامعة بالتعويض عليه أدبياً ومالياً. وقضت المحكمة التي تنظر في الخلافات بين العاملين وأصحاب العمل بأن أستاذ علم الاجتماع السياسيّ البارز فُصل من الجامعة بشكل غير عادل يتعارض مع القانون، وأن «معتقداته المناهضة للصهيونية بوصفها عنصرية وإمبريالية واستعمارية بطبيعتها مؤهّلة لاعتبارها معتقداً فلسفياً وأفكاراً محميّة وفقاً للمادة العاشرة من قانون المساواة المعتمد في المملكة المتحدة لعام 2010».واعتبرت جهات تابعت قضية ميلر أن هذا الحكم سيكون سابقة يبنى عليها، ولا سيّما في أجواء الاحتقان الحالية في المجتمع البريطاني بسبب المواقف المستقطبة تجاه حرب الإبادة التي تشنّها القوات الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر، إذ إنها المرّة الأولى على الإطلاق في تاريخ القضاء البريطاني العريق التي يحكم فيها بأن المعتقدات المناهضة للصهيونية محميّة في مكان العمل.
وكان طلبة يهود في «جامعة بريستول»، تحرّكهم جهات مدعومة من الكيان العبري، قد تسبّبوا في موجة من الجدل داخل الجامعة وخارجها في عام 2019 بعدما اتّهموا ميلر بتدريس مادة معادية للسامية يمكن أن تفسّر على أنّ اليهود يمارسون نفوذاً سرّياً على الشؤون السياسية بما يتعارض مع المصالح الوطنية للدول (الأخبار 22/5/2021). ومن المعروف أن ميلر (مع زملاء له) صاغ نظريّة في تفسير أسباب تفشّي ظاهرة رهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا) تحلّل وتقبض على مختلف الجهات السياسية المتقاطعة على نشر ذلك الرهاب في الغرب وعلى صعيد عالمي، وجعل أوّلها جهات من الحركة الصهيونية (انظر بالإنكليزية كتاب «ما هي الإسلاموفوبيا؟ عن العنصريّة والحركات الاجتماعيّة والدولة» من تحرير البروفيسور ميلر - 2017). وقد رفضت «جامعة بريستول» وقتها هذه الاتهامات على أرضية الحريات الأكاديمية، وقالت إن مستشارها القانوني وجد أنّ نظريّة ميلر «لا تشكل بأيّ حال خطاباً غير قانوني». لكنّها خضعت في النهاية لضغوط اللوبي الصهيوني النافذ في البلاد، وقررت عام 2021 فصله من منصبه الأكاديمي بعدما خلصت جلسة تأديبية، عقدت على عجل، إلى أنه «لم يستوف معايير السلوك التي نتوقعها من موظفينا».
هذا الحكم سيكون سابقة يبنى عليها، وخصوصاً في أجواء الاحتقان الحالية


ومنذ ذلك الحين، تسبّب تعليقات لاحقة متعدّدة يدلي بها ميلر ضمن محاضرات له على الإنترنت، في إثارة صخب المتصهينين في المملكة المتحدة. ووصف ميلر الكيان العبري بأنه «عدوّ السلام في العالم»، واتّهم الجمعية اليهودية التي قادت الحملة ضدّه (The Community Security Trust) بأنّها جماعة ضغط إسرائيلية مهمّتها صناعة الهستيريا عبر خلط المفاهيم بين انتقاد الصهيونية السياسيّة والهمجية الإسرائيلية (ضد عموم السوريين بمن فيهم الفلسطينيون) بالعداء لليهوديّة كديانة من خلال توظيف تعريف فضفاض جداً لمعاداة السامية يمنع عمليّاً، تحت طائلة الملاحقة القانونية، توجيه أيّ انتقادات لـ«إسرائيل» وسياساتها وأيديولوجيّتها الإجرامية. أمر حوّله إلى هدف دائم لحملات مغرضة تعاظمت بعد إدانته العدوان الإسرائيلي الحالي على غزّة. وفيما أعرب ناطق باسم «جامعة بريستول» عن «شعورها بخيبة الأمل» بسبب الحكم لمصلحة غريمها، نقلت صحف لندن عن ميلر قوله، تعليقاً على الحكم: «إنني فخور جداً بأننا تمكّنا من إثبات أن الآراء المعادية للصهيونية تعتبر معتقداً فلسفياً يحميه قانون المساواة في المملكة المتحدة، وآمل أن يصبح هذا الحكم سابقة نستند إليها في جميع المواجهات المستقبلية التي سنخوضها مع الأيديولوجية الصهيونية العنصرية، وحروب الإبادة الجماعية التي تشنها والحركات المؤيدة لها». وأعلن محاميه أن ميلر سيسعى للحصول على «أقصى تعويض ممكن عن الأضرار التي تسبّب بها قرار الجامعة بفصله».
من جهته، وصف «اتحاد الطلاب اليهود» في بريطانيا الحكم الذي صدر بأنّه مؤسف و«قد يشكّل سابقة خطيرة حول ما يمكن قوله بشكل قانوني في الحرم الجامعي عن الطلاب اليهود وتجمّعاتهم، وسيجعل من حياتهم في نهاية المطاف أقلّ أماناً» على حدّ زعم بيان أصدره الاتحاد.