لا تزال حرب الإبادة التي يشنّها العدوّ الصهيوني على قطاع غزّة تحصد مزيداً من الأرواح. آخر الأسماء المنضمّة إلى قافلة الشهداء الذين اقترب عددهم من ثلاثين ألفاً، هو التشكيلي الفلسطيني فتحي غبن (1947 ــ 2024) الذي توفي أوّل من أمس الأحد، عن عمر ناهز 77 عاماً بعد معاناة طويلة مع مشكلات حادة في التنفّس والرئتين، فيما كان ينتظر أن يُسمح له بمغادرة القطاع لتلقّي العلاج في الخارج، على إثر تفاقم وضعه الصحي بسبب غبار الدمار وغاز الفوسفور المحرّم دولياً وغياب أبسط الإمكانات الاستشفائية.
عاش حياة المخيم بكل تفاصيلها ورسمها بدقة متناهية

في نعيها له، قالت وزارة الثقافة الفلسطينية إنّ رحيل غبن يشكّل «خسارة للفن الفلسطيني الذي شهد على يده انتقالات مهمة تجاه تجسيد الحياة الفلسطينية، واللجوء الفلسطيني، والمخيم، وتقاليد الحياة في البلاد التي نذر حياته لتخليدها في فنّه». وأضافت في بيان أنّ «غبن الذي عانى مشكلات حادة في الصدر والرئتين، كان بحاجة إلى السفر إلى الخارج لاستكمال علاجه، بسبب نقص الأدوية والأكسجين في غزة، لكن سلطات الاحتلال لم تسمح له بذلك».
وُلد فتحي غبن في قرية هربيا شمال قطاع غزة في عام 1947، وحملته أمّه خلال النكبة ونزحت قهراً إلى غزة، حيث عاش حياته في مخيم جباليا. احترف الفن باكراً، ونذر حياته له. قبل أن تسرق الحرب حياته، سرقت بيته في قرية هربيا وعُمره في سجون الاحتلال عام 1984، وابنه وحفيده على إثر العدوان الأخير على القطاع، وبيته بكلّ ما فيه من أعمال فنية.
جسّد «فان غوخ غزة» بأعماله الهوية والتحرّر والحنين إلى الحياة الفلسطينية، واللجوء والمخيم وتقاليد البلاد، وخلّد قريته التي استولى عليها الاحتلال إبان النكبة؛ فرسم الحقل والبيدر والعرس والحصاد والميلاد. علماً أنّه مُنع قبل أربعين عاماً من السفر بعد رسمه لوحة «الهوية» التي تنبّأ فيها باندلاع الانتفاضة في مشهد المقلاع والحجر والعلم، وفقاً لما ذكر «مركز خليل السكاكيني الثقافي» الذي نعاه على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.
عمل الراحل مستشاراً في وزارة الثقافة، ومُنح وسام الثقافة والعلوم والفنون (مستوى الإبداع) في عام 2015، وحاز عدداً من الأوسمة الدولية خلال مسيرته الفنية الغنية بالعطاء.
تعليقاً على وفاته، قال وزير الثقافة عاطف أبو سيف: «كانت فلسطين دائماً حاضرة بكل تفاصيلها في أعمال غبن الذي حمل معه حياة القرية الفلسطينية والمخيم واللجوء إلى العالم عبر ريشته البارعة». وأردف: «عاش حياة المخيم بكل تفاصيلها، ورسمها بدقة متناهية وخلّد حياة القرية الفلسطينية التي أرادت النكبة أن تمحوها، مستذكراً قريته هربيا التي ولد فيها فرسم الحقل والبيدر والعرس والحصاد والميلاد، ورسم البيوت والوجوه والطرقات»، مضيفاً: «فتحي الذي عاش سنته الأولى بعدما تنفس الحياة في خيمة على رمال شمال غزة في مخيم جباليا قُدّر له أن يرحل بسبب منع الاحتلال سفره إلى مصر». وتابع: «عاش فتحي حياته في خيمة، ومات في خيمة... إنّ الخيمة ليست قدر الفلسطيني، لكنها تعني أن الاحتلال أيضاً سيزول مثلما ستزول الخيمة».
يأتي رحيل فتحي غبن في وقت فقد فيه المشهد الثقافي في قطاع غزة عدداً من المبدعين في مجالات مختلفة على إثر القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، فيما دُمرت عشرات المراكز الثقافية والمتاحف والمكتبات.