مسلّحو 14 آذار يستعرضون ويعتدون على الناس... والقضاء والجيش وقوى الأمن يراقبون ولا يتحرّكون!
من يأخذ البلاد نحو الحرب الأهلية، ومن الذي يحرّض الناس ويشجّعهم على تجاوز القوانين والاعتداء على المدنيين والممتلكات العامة في العاصمة والمدن والأطراف؟ ومن الذي يعود لتغذية خطاب الحرب والدم والحرق؟ وكيف يمكن دعوة الناس الى المشاركة في حشد جماهيري وسط غابات المسلحين والرصاص العشوائي الذي لم ينجُ منه مارّة ومواطنون لم يغادروا منازلهم؟ وأي دعوة للحوار والاتفاق تترافق مع دعوات الى المواجهة والحرب وحرق الأخضر واليابس وترويع الناس؟
وأي نظام أمني رسمي يمكن أن يكون محل ثقة الجمهور وهو المنحاز بشكل أعمى؟ أين هي قوات الجيش المجوقلة والمشاة وغرف العمليات وهيئة الأركان التي تنبهت فقط لـ«مشاغبين» يحرقون الدواليب في مار مخايل ولم تعتقل مسلحاً واحداً من الذين يغزون بيروت وطرابلس والجبل والبقاع الغربي وهم يطلقون الرصاص علناً دون رادع. وأين هو فرع المعلومات وشرطة قوى الأمن الداخلي التي لا تعرف إلا مطاردة العمال السوريين وتجمع المعلومات عن المقاومين وتلاحق مراكز التخزين الخاصة بالمقاومة، وهي التي لم تسمع الرصاص في عرمون قبل أيام، ولم تشاهد حشود المندسّين بين المشيّعين في دير عمار، ولم تنتبه الى عشرات المقاتلين وهم يطلقون النار في شوارع بيروت وطرابلس وبلدات الجبل والبقاع الغربي، ولم تردها تقارير المخافر الواقعة تحت سيطرة قادة الحرب الجديدة في كل المناطق؟
أمس، كان لبنان على عتبة مرحلة جديدة من إعلان حلفاء الولايات المتحدة والسعودية في لبنان الاستعداد العملي لخوض حرب أهلية تقوم على التحريض المذهبي والفتنة المتنقلة بين المدن والمناطق، وتتكل على آلاف الزعران الذين جرت تعبئتهم ضد أعداء من إخوتهم أبناء بلدهم. ولم يكن الأمر يحتاج الى أمر عمليات خاص. كان كافياً أن يخرج وليد جنبلاط على الجمهور مهدداً بالحرب وغير آبه بالأخضر ولا باليابس ولا بشيء، وملوّحاً بسلاح الانتحاريين، وهو المحب للحياة، ومهدّداً بالثأر القبلي وهو الذي لا يتوقف عن الحديث عن دولة القانون والمؤسسات.
ومن الشمال كان سعد الحريري يقوم بالأمر نفسه، لكنه لم يكن ينتظر أحداً يسأله عن وعوده الطنانة الرنانة، وإذا به عندما شعر بالحاجة الى جمهور يحشده في ذكرى والده، حمل أمواله وأموال الدولة واعداً من جديد، ومهدّداً بالمحكمة الدولية كل خصومه. أما سمير جعجع، الذي لم ينم جرّاء تلقيه خبر استعدادات جارية في الولايات المتحدة لاستقباله قريباً، فقد كان ينظم كوادره ومحازبيه للانتشار عسكرياً في أكثر من منطقة تحت حجة حماية المواكب الآتية من الشمال الى بيروت.
ومن دون أن يصدر بيان واحد عن قوى الأمن الداخلي أو الجيش اللبناني يشرح للمواطنين ما يجري، كان أقطاب فريق 14 آذار يبرّرون التصعيد في المواقف والزعرنات في الشوارع بأنها «ردة فعل طبيعية بعد أشهر على الصبر وعلى الشتم والتهديد والتهويل والتخوين، فوُضعت نقطة كبيرة على كل الحروف» على ما قال وزير الاتصالات مروان حمادة لـ«الأخبار» مضيفاً: «لقد فلقونا وفلقوا البلد».

جنبلاط: الحريق

وكانت ذروة المواقف قد صدرت أمس عن النائب وليد جنبلاط خلال عملية المبايعة «الديموقراطية» لقيادته للحزب التقدمي في مجمّع بعقلين السياحي. وألقى خطاباً مكتوباً ضمّنه حملة لا سابق لها على قادة المعارضة وعلى سوريا وقال: سوف نحرق الأخضر واليابس لأجل كرامتنا، وإذا كانوا يريدون الحرب فنحن لها. وهدّد عائلات الضباط الأربعة الموقوفين على ذمة التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بتحقيق العدالة وبرفع أعواد المشانق، فيما دعا كل أنصاره «صغاراً وكباراً وعائلات الى المشاركة الكثيفة في مهرجان الخميس لأن هذه السنة أهم من كل السنوات السابقة». واتهم حزب الله بتدريب مجموعات مسلحة قال إنها تستعد للقيام بأعمال أمنية في الجبل.
وفي الشمال أعلن النائب الحريري نية عائلته دفع مبلغ 52 مليون دولار أميركي «عن روح الشهيد» تصرف على مشاريع عامة وخاصة لدعم التعليم الرسمي والمراكز الصحية في أقضية الشمال. كما اجتمع بعدد كبير من العشائر والعائلات وتولى الإشراف على عمل ماكينة «المستقبل» التي تحشد لمهرجان الخميس.
والى جانب التصعيد السياسي لأركانها، نشطت قوى 14 آذار ميدانياً في حملة تجييش ميدانية لتأمين حضور حشد كبير في ذكرى 14 شباط الخميس المقبل، وتجلّى ذلك في مسيرات بالسيارات والدراجات النارية شارك فيها فتية وجابت بعض شوارع بيروت وبعض المدن ما أدّى إلى حصول بعض الإشكالات الأمنية.
ولدى مرور إحدى هذه المسيرات قرب المفترق المؤدي الى مقر رئاسة مجلس النواب في عين التينة قبالة بناية «أوجيه لبنان» على كورنيش المزرعة، أطلق بعض المشاركين في هذه المسيرة النار في اتجاه عناصر شرطة مجلس النواب المتمركزة في المحلة الذين أوقفوا مطلقي النار وتبيّن أنهما شخصان وسُلّما الى الجهات المختصة.
وليلاً أصدرت قيادة شرطة مجلس النواب بياناً قالت فيه: «مرت عند التاسعة من مساء اليوم (أمس) الأحد 10 شباط 2008، سيارة بالقرب من مقر رئاسة مجلس النواب في عين التينة، وحاولت تجاوز الحواجز الأمنية مطلقة النيران في اتجاه حرس المقر ولم يصب أحد بأذى. وقد اتخذت الإجراءات الأمنية اللازمة».
ولاحقاً توجهت إحدى المسيرات الى مقر محطة «نيو. تي. في» في محلة وطى المصيطبة وردّد المشاركون فيها هتافات ضد المحطة ورشقوا مبناها بالحجارة فألحقوا به وبعدد من السيارات المتوقفة أمامه أضراراً، فتدخلت القوى الأمنية وفرّقت المتظاهرين.
وفي عاليه تعرّض مركز الحزب الديموقراطي اللبناني الذي يتزعمه الوزير السابق طلال أرسلان لإطلاق نار على أيدي عناصر من الحزب التقدمي الاشتراكي، وردّت عناصر الحماية في المركز بإطلاق النار على السيارات. وعلى أثر الحادث ساد جوّ من الخوف والترقّب في المدينة واستنفار في الأحزاب. وعلم أن جريحين سقطا في الحادث هما الطفلة حنين عريج (12 عاماً) ورامي سري الدين (22 عاماً) أثناء مرورهما مصادفة في مكان الحادث. وتبادل أنصار أرسلان وجنبلاط الاتهامات بالمسؤولية عن الحادث.