كلّ المعطيات الداخلية اللبنانية والعربية المتّصلة بالقمة المفترضة نهاية الشهر المقبل في دمشق تشير إلى أفق مسدود من النوع الذي لا ينفصل عن تحضيرات متواصلة من جانب الإدارة الأميركية مع حلفاء لها في العالم العربي وفي بيروت، لمواجهة تحت عنوان «كبح النفوذ الإيراني»، وهو الكلام الذي قاله الرئيس فؤاد السنيورة في محادثاته التي أجراها في العاصمة البريطانية. وكشف تقرير دبلوماسي أن السنيورة طلب دعم لندن «لمواجهة النفوذ الإيراني الذي يتجاوز البعد العسكري والذي يهدف إلى ضرب النموذج اللبناني الأقرب إلى النموذج الغربي، وخصوصا أنّ هناك فئة لبنانيّة باتت تؤمن بهذا الطريق». في هذه الأثناء، تواصلت في العاصمة السوريّة التحقيقات في جريمة اغتيال الشهيد عماد مغنية، وتحدّثت مصادر متابعة عن إنجاز القسم الخاص بمسرح الجريمة والأدوات المستخدمة. وقد استُمِع إلى شهود من سكان المحلة التي وقعت فيها الجريمة، ما دلّ على آلية استقدام السيارة المفخخة إلى المنطقة. لكن المصادر كررت الإشارة إلى حظر عام لا يزال مفروضاً على التحقيقات التي تشارك فيها كل الأجهزة الأمنية السورية، وتتعاون في أجزاء منها جهات صديقة لسوريا.

إسرائيل لا تستبعد الحرب

من جانبه، وإزاء احتمال تجدّد المواجهة مع حزب اللّه، أكد رئيس أركان جيش الاحتلال الجنرال غابي أشكنازي أن «الإنجاز المطلوب من الجيش هو الحسم السريع في أي نوع من المواجهة، ولا أستطيع ضمان عدم التورّط في اختبار كهذا في الفترة القريبة». وفي تعبير عن مدى جهوزية الجيش، قال أشكنازي في كلمة له، ضمن مراسم اختتام دورة ضباط في سلاح البر، إن «يدنا ممدودة للسلام، ولكنها جاهزة على القبضة». وأضاف أن «دور الجيش كان، وما زال شبكة الأمان الحقيقية لاستمرار وجود دولة إسرائيل وازدهارها»، لكنه اشترط لتحقيق ذلك وجود «قادة متفوّقين».
وأقرّ رئيس الأركان بأن إسرائيل «لم تحقّق الراحة» بعد مرور ستّين عاماً على «استقلالها». ولفت إلى أنه «في المنطقة المعقدة التي نعيش فيها لم تنضج الظروف حتّى الآن للتسليم بشكل مبدئي بحق وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية ومستقلة». وحذّر من أن مستقبل إسرائيل مليء بالأخطار والتحديات: «إذا أمعنا النظر في الأفق، نجد أنه ينطوي على أخطار وجودية وتحديات كثيرة لأمن إسرائيل».
وشارك في المراسم أيضاً رئيس الحكومة إيهود أولمرت، الذي أكد أن «لإسرائيل قدرة ردع معروفة بشكل جيد لكل من ينبغي أن يعرف ذلك». وتفاخر بكون «إسرائيل دولة قوية وتمتلك قدرات عسكرية كبيرة. ونحن واثقون بأنفسنا وبقوتنا، ونخطو حالياً في طريق السلام والأمن». وأضاف أولمرت أنه رُصِدَت «موارد لا سابق لها للجيش من أجل تدريب أكثر والاستعداد أفضل ليوم الأمر».

تخيُّل الردّ؟

في غضون ذلك، تعيش إسرائيل منذ اغتيال مغنية حالة نادرة من العصف الذهني المحموم في محاولة لتقدير طبيعة رد حزب الله ومكانه وزمانه، بعدما سلّمت بحتمية هذا الرد. ومنذ إعلان «بشارة 13 شباط» للإسرائيليين، شُغِل الجميع بالأسئلة المرتبطة بالثمن الذي سيكون عليهم دفعه لقاء هذه النشوة العابرة. وقد تجاوز النقاش بالبداهة مرحلة الـ«هل». بداهة فرضتها المعرفة، المستندة إلى كل تجارب الماضي، بأن الحزب لا يمكن أن يبقى ساكناً أمام استحقاق من هذا النوع، فكيف إن كان المستهدف «قائده الجهادي الكبير».
لم يكن ثمة توقف أمام قدرات الحزب، فهذه «أثبتت نفسها في السابق»، بحسب أحد المعلقين الإسرائيليين. أما التصميم والإرادة على الذهاب في مسار الرد حتى آخر المطاف، فقد تكفل بهما إعلان «هذا النوع من الحرب المفتوحة»، الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
قائمة السيناريوات الإسرائيلية لرد الحزب تطول، منها:
ـــــ على الحدود مع لبنان، استنفر الجيش الإسرائيلي واستقدم تعزيزات مدرعة وألغى مأذونيات الجنود ووضع وحدات الدفاع الجوي في حالة تأهب، كما أعلن أول من أمس نشر بطاريات باتريوت في محيط منطقة حيفا. والتوقعات تراوح بين محاولات خطف جنود، مروراً باختراق طائرة «مرصاد» مفخّخة لتفجيرها بهدف مدني أو عسكري في الداخل، وصولاً إلى إطلاق صليات صاروخية باتجاه العمق.
ـــــ لا تستبعد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن تطال يد الحزب الأمنية منشآت استراتيجية وحيوية، أو أخرى عامة، لذلك أعلنت تعزيز الحراسة عليها.
ـــــ تخشى إسرائيل أن يكون وزراؤها أو أعضاء الكنيست فيها أو ضباط كبار سابقون في الجيش على مهداف الحزب، لغاية التصفية أو الاختطاف. يسري هذا التهديد خارج إسرائيل بشكل رئيسي، لذلك قرر جهاز حماية الشخصيات فرز حراس مرافقين للوزراء في رحلاتهم الخارجية، فيما طلب من النواب تنسيق أسفارهم مع ضابط أمن الكنيست. ولقيادة الجيش حساب خاص في هذا المجال، إذ كشفت تقارير إعلامية عن الخشية من احتمال استهداف أعضاء في هيئة الأركان، وعلى رأسهم قائد الجيش، غابي أشكنازي، لذلك اتخذ الجيش إجراءات خاصة لحماية هؤلاء.
ـــــ احتمال تنفيذ حزب الله ضربات نوعية مؤلمة من قبيل إسقاط طائرات مدنية محملة بالركاب. وجرت المطالبة بالعمل على الاستعداد لذلك من خلال تزويد طائرات الشركات الإسرائيلية بأجهزة الاعتراض اللازمة لهذا الخصوص.
ـــــ خشية حصول استهداف مصالح إسرائيل في الخارج على خلفية اتهام الحزب بالوقوف خلف التفجيرين اللذين استهدفا السفارة الإسرائيلية ومقر الجالية اليهودية في الأرجنتين عام 1992 و 1994. وتخشى تل أبيب من أن يعاود الحزب الكرة مرّة أخرى، فيضرب بذراعه الأمنية إحدى سفاراتها أو المؤسسات المرتبطة بها رسمياً أو دينياً، من دون أن تستبعد احتمال أن يكون الهدف هذه المرة تجمعات يهودية بشرية تحتشد لإحياء مناسبة ما. ورجح أن يكون هذا المكان في أفريقيا أو أميركا الجنوبية.