شنّت سوريا، في رسالة وجّهتها أمس إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، هجوماً غير مسبوق على رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، الذي أتهمته بأنه «حاقد» «يكرر مواقف أعداء لبنان» بعدما «أظهر وجهه الحقيقي»، وعلى «مسؤولين لبنانيين على أعلى المستويات» اتهمتهم بتحريض المنظمة الدولية عليها بالتعاون مع «قادة بعض الميليشيات الذين سفكوا دماء اللبنانيين».وقالت الرسالة، التي نشرت وكالة الأنباء السورية «سانا» نصّها أمس، إنّ «أكثر ما يقلق سوريا هو ما يشهده لبنان من توتّر وصل إلى مستويات غير مقبولة تهدّد حاضر ومستقبل لبنان»، وأشارت في هذا السياق إلى أنّ «التدخّل الأجنبي السافر، المعروف من قبل قوّة دوليّة كبرى، والذي قاد حتى الآن إلى تعميق الخلافات بين اللبنانيّين، يشكّل خطراً مباشراً على أمن لبنان واستقراره لأنّه ينحاز بوضوح معلن إلى طرف لبناني ضدّ طرف لبناني آخر في الوقت الذي يرفق ذلك بشن حملة إعلامية مضلّلة لوضع اللوم على أطراف لبنانية أخرى وعلى سوريا في كل مرة يفشلون فيها بفرض توجهاتهم المشبوهة على لبنان».

وأضافت الرسالة أنه في الوقت الذي «أعربت فيه سوريا عن استعدادها لمساعدة الأشقاء اللبنانيين لردم الهوة بين مواقفهم المختلفة، وأكدت حرصها على إقامة أفضل العلاقات بين الدولة اللبنانية وسوريا على مختلف المستويات، فإنها لاحظت بكل أسف أن بعض اللبنانيين قام وبدعم خارجي معروف باتخاذ مواقف متطرفة لا تخدم إقامة مثل هذه العلاقات. وقد وصل الأمر ببعض هؤلاء المسؤولين الى استغلال زياراتهم الى الأمم المتحدة أخيراً بهدف وحيد هو تشويه صورة سوريا وتحريض مجلس الأمن ضدها وتوجيه رسائل الى المنظمة الدولية وجهات أخرى لا تنم عن الحد الأدنى من الرغبة في إقامة علاقات طبيعية بين البلدين، كما شنت هذه الجهات حملات إعلامية مضللة شوّهت فيها الحقائق وأساءت فيها الى روح العلاقات التاريخية بين شعبي البلدين الشقيقين سوريا ولبنان».
وأضافت الرسالة أن «هذه التصرفات التي تفتقد الى الحد الأدنى من الأدب السياسي والأخلاقي لم تترك أي فرصة لإجراء حوار جدي بين البلدين. وقد شارك في هذه الحملة مسؤولون على أعلى المستويات في الحكومة اللبنانية وقادة بعض الميليشيات الذين سفكوا دماء اللبنانيين خلال الحرب الأهلية والممثلون في هذه الحكومة. وفي هذا الإطار جاءت الرسالة التي وجهها رئيس الحكومة اللبنانية الى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ /8/ تشرين الأول /2007/ والتي حفلت بمختلف أشكال التضليل وقلب الحقائق بهدف التغطية على فشل الحكومة ومسؤوليها ومن يقف خلفهم في تحمل مسؤولياتها أمام مختلف أطياف الشعب اللبناني».
وقالت الرسالة إن «سوريا تعالت في مواجهة ذلك متخذة موقف عدم الرد على هذه الافتراءات وحملات التحريض ضدها، واستمرت باتباع سياساتها المتمثلة بالوقوف الى جانب لبنان كل لبنان لمواجهة التحديات الكبرى التى تعصف بلبنان والمنطقة. وانطلقت سوريا في موقفها هذا من حرصها على عدم عودة هذا البلد الشقيق الى الحرب الأهلية التي أطفأت نيرانها القوات السورية وضحّت بما لا يقل عن ثلاثة عشر ألفاً من خيرة أبنائها لإخماد تلك الحرائق التي أشعلها أمراء الحرب الذين يتم احتضانهم الآن من قبل جهات وأطراف لا تريد الخير والاستقرار للبنان».
وأضافت الرسالة «لقد وصل الحقد برئيس الحكومة اللبنانية الى أن يتهم سوريا في رسالته الأخيرة بدعم الإرهابيين في تنظيم فتح الإسلام وذلك في محاولة يائسة للتغطية على الجهات اللبنانية الممثلة في الحكومة اللبنانية التي ثبت أنها قدمت الدعم المادي والمعنوي لإرهابيي فتح الإسلام. ويعرف رئيس الحكومة اللبنانية أكثر من غيره أن سوريا هي التي قدمت المساعدات السخية للجيش اللبناني خلال تصديه للإرهابيين في نهر البارد وأغلقت حدودها دعماً لعمليات الجيش اللبناني. وخلافاً لما جاء في هذه الرسالة من أكاذيب، فإن سوريا أكدت أن تنظيم فتح الإسلام هو عدوّ لسوريا بمقدار عداوته للبنان. وبهذا الصدد نحيل رئيس الحكومة اللبنانية الى التصريحات التي أدلى بها كبار قادة الجيش اللبناني الذين أكدوا أن تنظيم فتح الإسلام هو فرع من تنظيم القاعدة ولا علاقة له بالمخابرات السورية».
وقالت الرسالة «أما الإشارات الواردة في الرسالة حول ظروف إطلاق سراح المدعو (شاكر العبسي) فإنها اتهامات سخيفة لا تستحق الرد عليها. ومن المعروف أن قوات الأمن السورية اصطدمت عدة مرات مع أعضاء في هذا التنظيم ونجحت في قتل عدد منهم بما في ذلك نائب رئيس التنظيم المدعو (محمد طيورة) قرب الحدود السورية العراقية أثناء اندلاع معارك نهر البارد. وفي الوقت الذي حدد فيه رئيس الوزراء اللبناني جنسية بعض عناصر هؤلاء الإرهابيين فإنه لم يجرؤ على تحديد الجنسيات الأخرى التي شكلت أغلبية إرهابيي فتح الاسلام لأسباب لا تخفى على أحد».
وأضافت الرسالة أن «حكومة الجمهورية العربية السورية تود أن تؤكد مرة أخرى أنها اتخذت جميع الإجراءات لضمان عدم التهريب عبر حدودها مع لبنان حيث ضاعفت عناصر حرس الحدود على الجانب السوري، كما أن الاتصالات بين الجانبين السوري واللبناني لضبط الحدود المشتركة لم تنقطع وقد وافينا الأمين العام ورئيس مجلس الأمن بقائمة مفصلة عن هذه الاجتماعات. وعندما يكرر رئيس الوزراء اللبناني التهم التي تطلقها اسرائيل ومن يقف خلفها حول تهريب أسلحة من سوريا الى لبنان فإنه يكرر مواقف أعداء لبنان وسوريا ويظهر وجهه الحقيقي وينزع الأقنعة التي تلطى خلفها لفترة طويلة».
وكان الرئيس السوري بشار الاسد قد أكد، خلال لقاء مع صحافيّين مرافقين له في زيارته إلى تركيا أمس، أن الرئيس اللبناني المقبل يجب أن يكون «رئيساً وطنياً يحقّق الإجماع والأمن والاستقرار»، موضحاً أنّه ليس لسوريا «مواصفات خاصّة بها لأيّ رئيس لبناني»، لكنها «تريد من أيّ رئيس أو قوى لبنانية الإيمان بالعلاقة مع سوريا».
في هذا الوقت، تفتح الوقائع السياسية اليوم على فصل جديد من المساعي الخارجية للتوصل الى اتفاق داخلي على الملف الرئاسي، وسيقوم وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير بمحاولة جديدة لجمع أقطاب طاولة الحوار في مقر السفارة الفرنسية، حيث يفترض أن يتغيّب الرئيس نبيه بري الذي يوفد النائب سمير عازار لتمثيله، فيما لم يعرف ما إذا كان النائبان سعد الحريري ووليد جنبلاط سيحضران. وسيعقد الاجتماع قبل ساعات من وصول الوزيرين الإيطالي ماسيمو داليما والإسباني ميغل أنخيل موراتينوس المقرر صباح غد لينضما إليه بموجب المبادرة الأوروبية الجديدة التي دفعت الترويكا الى الزيارة المثلثة.
وأعلنت الخارجية الفرنسية أمس أن زيارة الوزراء تهدف الى التعبير عن «تمسّكهم» بانتخاب رئيس جديد «ضمن المهل المحددة».
وفيما وصل الوفد المرافق لكوشنير مساء أمس، ينتنظر وصوله مساء اليوم، على أن يتوجه ونظيراه الإيطالي والإسباني اللذان سيصلان الثالثة فجر السبت، صباح اليوم نفسه إلى الجنوب لتفقّد كتائب بلادهم في قوات اليونيفيل، على أن يعودوا من الجنوب ظهراً ليجتمعوا ببري، ومن ثم بالسنيورة والبطريرك نصر الله صفير والحريري الذي تُنتظر عودته من السعودية في أي وقت.
وقالت مصادر مطلعة إن بعض الوزراء الأوروبيين وربما الإيطالي سيلتقون وزير «حزب الله» محمد فنيش فضلاً عن احتمال انعقاد لقاء بينهم وبين قوى 8 آذار. وكشفت المصادر أن وزراء الترويكا الأوروبية يحملون في جعبتهم تشجيعاً لمبادرتي بري وصفير. وأشارت إلى أنهم سيبلغون فريقي الموالاة والمعارضة تأييدهم للتوافق على مرشح لرئاسة الجمهورية وأن يتم انتخاب الرئيس الجديد على أساس نصاب أكثرية الثلثين.
كذلك كشفت المصادر أن كوشنير اتفق ووزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال الاتصال بينهما أول من أمس على لقاء سيعقد بينهما في اسطنبول الشهر المقبل على هامش المؤتمر الأوروبي ـــــ المتوسطي الذي سينعقد هناك.