تسوية كهذه، في حال نجاحِها، ستُكرِّس مرّة جديدة أمرين: الأول أن كل قائدٍ للجيش مرشّح طبيعي حتمي لرئاسة الجمهورية، مع ما يحتّمه تقليد كهذا من استغلال السياسيين للقائد المُسترئِس، غير الممانع بطبيعة الحال لدفع كلفة الطريق إلى بعبدا مهما كَبُرَت فاتورة التجاوزات. ومن أعراضه غير الجانبية، ضرب علاقة قائد الجيش برئيس الجمهورية. في مرحلة ما بعد الطائف عدل فيها الدستور للمرة الأولى لمصلحة قائد جيش في تشرين الثاني 1998، لإيصال إميل لحود إلى قصر بعبدا. بعده مهّد اتفاق الدوحة الطريق أمام ميشال سليمان في 2008، وفي حين لم يحالف الحظ جان قهوجي الراغب حينها، يُطرح جوزيف عون اليوم كمرشح «طبيعي» وجدي. وهو ما يقودنا إلى العنوان الثاني، إذ لا تكرّس التسوية استسهال تعديل الدستور من أجلِ أشخاص وحسب، إنما خرق الدستور طالما يستحيل تعديله راهناً بسبب الفراغ الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال.
القائد الراغب في «خدمة لبنان في أي موقع» على حدّ قوله، لم يُعلِن ترشيحَه، ولا يستطيع. ليبقى الأمر مرهوناً بساعةِ صفرٍ يُحدِدها الرعاة الأجانب، وعلى توقيتها تنطلق مهمة داخلية لتجميع 65 صوتاً مطلوبة كحدٍ أدنى، لن تكون كتلة «الجمهورية القوية» في المبدأ خارجها، استناداً إلى إشارة حزب «القوات» بأنه لن يُعرقِل انتخاب عون في حال توافرت له الحظوظ. هذا على صعيد القوى السياسية التقليدية. أما في «بوانتاج» أصوات النواب «التغييريين» و«المستقلين» فإن عدداً غير قليل منهم سيصوّت لقائد الجيش، من ضمنهم من يمنحون أصواتهم اليوم للنائب ميشال معوض.
في المواقف المبدئية الكل ضد تعديل الدستور، لكن عندما يتعلق الأمر بالقائد فإن تصريحاتهم تظهر تبايناً واضحاً. يرجم هؤلاء «المنظومة» لكن معظمهم لا يرى ضيراً في استخدام أساليبها نفسها في التلاعب بالدستور على مقاس أشخاص. ففي حين يرفض كل من النواب: فراس حمدان، ميشال الدويهي، ملحم خلف، إبراهيم منيمنة وسينتيا زرازير تعديل المادة (49) من الدستور على قياس شخص القائد أو اعتماد سابقة ميشال سليمان بانتخابه من دون تعديل دستور، وكذلك رفض تأهّل قائد الجيش تلقائياً إلى الرئاسة في الحياة السياسية اللبنانية، يدعم الياس جرادة عون كـ«مخرجٍ توافقي مشرّف من باب الواقعية السياسية». ويرى وضاح الصادق أن «شخص الرئيس القادم سيحدّد حجم الدعم الخارجي للبنان، ونحن وميشال معوّض نُدرِك أن وصوله إلى الرئاسة مستحيل، وعلينا الذهاب إلى خيارٍ آخر، يمكن لعون أن يمثّله بقيادة البلد». أما ياسين ياسين فـ«ضدّ التعديل»، ولكن بحذر يقول «إذا مشروع القائد في الاقتصاد والقضاء يتوافق وتوجهاتنا ولديه فرصة للوصول فليكن». ومثله بولا يعقوبيان ضدّ التعديل واجتهاد بهيج طبارة، «أما في حال وقع الانقسام العمودي في البرلمان، وكان صوتنا فاصلاً ومرجّحاً فسنختار بين السيئ، وهو امتداد للتركيبة القائمة، وبين اسم جديد يمكن أن يقدّم نموذجاً مختلفاً». وعن حزب «تقدّم» الذي يضم نجاة صليبا (يحكى عن انفصالها عن الحزب) ومارك ضو، تقول أمينته العامة لوري هايتيان: «أزمة الرئاسة تحتاج إلى حلٍ جذري لكي لا يبقى قائد الجيش مهجوساً بالرئاسة. وحين تنضج التسوية نرى بأي شروطٍ أتت وإذا ما كانت تناسب رؤيتنا للبلد أم لا».
خمسة فقط من «التغييريين» ضد تعديل الدستور على قياس أشخاص
على صعيد «الجماعة الإسلامية» يؤكّد عماد الحوت «أننا إذا توصّلنا إلى توافق واسع حول شخصية معيّنة، سواء القائد أم آخر، نتّجه صوب تسهيل الوصول وإنهاء الأزمة الرئاسية، وهناك سابقة ميشال سليمان لا يحتاج إلى تعديلٍ دستوري». أجواء «كتلة المشاريع» مشابهة، إذ «لا فيتو على قائد الجيش، وفي حال انحصر به المشهد لا مانع من انتخابه». صيداوياً، اعتبر كل من أسامة سعد وعبد الرحمن البزري أنّه «من المبكر الحديث عن الطرح»، بينما رأى شربل مسعد أن «القائد من الأشخاص المؤهّلين للترشّح، ولتأخذ الأمور مجراها ليبنى على الشيء مقتضاه». كذلك سيسير كل من سجيع عطية وكميل شمعون بـ«الإجماع الوطني» إن حصل. وبموقفٍ ملتبس يجيب أديب عبد المسيح «أنا مع قائد الجيش، وضد مبدأ تعديل الدستور على قياس أشخاص». زغرتاوياً، وبحكم التقارب المناطقي والسياسي، فقد تقود الاعتبارات النائب وليام طوق إلى أن يكون أقرب إلى سليمان فرنجية منه إلى عون. أما في مجموعة النواب السنّة المستقلّين، فسيحظى عون بصوت فؤاد مخزومي في «لحظة اتفاقٍ داخلية، وكذلك بصوت نبيل بدر، وهو جوّ ينسحب على معظم النواب السنة الداعم لـ«أي شخصية وسطية غير محسوبة على أي من المحورين المتنازعين في البلد. وإذا كان قائد الجيش يمثّل هذا النموذج فلمَ لا».