حَسم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، علي شمخاني، أمرَ استقالته بتغريدة عبر موقع «تويتر»، سارعت وكالة «نور نيوز» التابعة للمجلس، إلى تأكيد مضمونها المعبَّر عنه ببيت شِعرٍ للشاعر محتشم كاشاني كتبه «الأدميرال»، وفيه يقول: «الكلام الذي قيل وسُمع خلْف الحجاب... انتَقل وانتَشر في النهاية عبر الرموز والإيماءات». ويَظهر ممّا تقدَّم، وكما أوردت الوكالة، أن الإشاعات حول اعتزام شمخاني الاستقالة، سَرَت منذ ما قبل الإعلان عنها، وخصوصاً في أعقاب الدور البارز الذي لعبه الرَجل في استعادة العلاقات الإيرانية - السعودية، وقَبْلها في عملية التفاوض التي استمرّت بين البلدَين على مدى عامَين، بوساطة عراقية - عُمانية. وبعد تمثيله بلاده في اتفاق المصالحة الذي رعته الصين بين طهران والرياض، زار شمخاني المعروف بـ«مهندس العلاقات الإيرانية - العربية»، العراق والإمارات، حيث بدا أن موجة «التطبيع» بدأت تمتدّ لتشمل أطرافاً أخرى، ما أوحى، في حينه، بأن دور «الأدميرال»، الذي ظلّ على مدى عشر سنوات في منصبه وشغل قبلها منصب وزير الدفاع في عهد الرئيس محمد خاتمي، آخذ في التوسُّع. وإذ نُظر إلى تعيين شمخاني أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي خلفاً للمحافظ سعيد جليلي، في عهد إدارة حكومة حسن روحاني، عام 2013، على أنه رسالة «ودّ» من طهران إلى جيرانها العرب على اعتبار أن شمخاني عربي وله علاقات قويّة مع الدول العربية المحيطة، لم يتّضح بعد ما إذا كانت استقالته ستؤثّر على موجة الانفتاح العربي على الجمهورية الإسلامية، علماً أن الرجل سرعان ما عُيّن، مساء أمس، مستشاراً سياسياً للمرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، وعضواً في مجمع تشخيص مصلحة النظام.
جاءت استقالة شمخاني مفاجئة، نظراً إلى ما حقّقه من اختراقات على مستوى الديبلوماسية الإيرانية

إلّا أن هذا التعيين السريع لم يبطل مفعول المفاجأة الذي كانت أحدثته استقالة الرجل، نظراً إلى ما حقّقه من اختراقات على مستوى الديبلوماسية الإيرانية. وعلى رغم انتقال شمخاني إلى منصب جديد، إلّا أن ملابسات مغادرته منصبه القديم لم تتوضّح إلى الآن، لا من جانب «الأدميرال»، ولا من جانب إدارة الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي سارع ساعات بعد ورود نبأ الاستقالة، إلى الإعلان عن تعيين مدير «المركز الاستراتيجي» في «الحرس الثوري» الإيراني، علي أكبر أحمديان، أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي، خلفاً لشمخاني. وجاءت هذه الخطوة بعد أيّام من تأكيد خامنئي «التحلّي بالمرونة في السياسة الخارجية كلّما لزم الأمر لتجاوُز أيّ عقبات». ويُناط بـ«المجلس الأعلى»، دستوريّاً، تحديد سياسات الدفاع والأمن القومي للبلاد، في إطار السياسات العامّة التي يحدّدها المرشد، فضلاً عن تنسيق الأنشطة السياسية، والاستخبارية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية المتعلّقة بالسياسات العامّة للدفاع والأمن القومي، وكذلك استغلال الموارد المادّية والفكرية للبلاد لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية.
و«الأمين» الجديد، المولود عام 1961، ينحدر من مدينة بابك في محافظة كرمان جنوب إيران. وقد عُيّن عام 1985، مع صدور المرسوم التاريخي لمؤسّس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني في شأن إنشاء ثلاثة تشكيلات من «الحرس الثوري»، رئيساً لأركان القوّة البحرية لـ«الحرس». ومع انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية، تمّ تعيينه في منصب نائب قائد القوات البحرية لـ«الحرس»، حيث كان أحد المهندسين الرئيسين للقوة البحرية الجديدة، وعُدّ من أوائل المنظّرين لفكرة «الدفاع غير المتكافئ»، ما أدّى إلى تعيينه لاحقاً قائداً للقوات البحرية لـ«الحرس الثوري». وفي عام 2000، أصبح أحمديان رئيساً لأركان «الحرس الثوري»، ليحدث وجوده في هذه المرحلة تغييراً هائلاً في الهيكل الإداري والقدرة التنظيمية لهذه المؤسّسة، مع سعيه إلى تعميم النهج غير المتكافئ الذي تمّت تجربته في القوّة البحرية، على كامل هيكل «الحرس». وفي عام 2007، تسلّم الرجل رئاسة «المركز الاستراتيجي للحرس الثوري الإسلامي»، بأمر من خامنئي، في موازاة تعيينه، عام 2022، عضواً في «مجمع تشخيص مصلحة النظام» بمرسوم أصدره أيضاً خامنئي.