لا تُعتبر موافقة تركيا على عضوية السويد في «الناتو»، نهائيّة، إذ لا يزال بروتوكول الاتفاق الثلاثي (بين أنقرة واستوكهولم وهلسنكي) يحتاج إلى مصادقة البرلمان التركي. وعلى رغم صدور التعليمات بإعداد مشروع قانون لهذا الغرض، إلّا أن موافقة البرلمان لن تكون فورية، إذ لا يزال يتعيّن أن يمرّ المشروع باللجان أوّلاً قبل أن ينتقل إلى الهيئة العامة للتصويت عليه، وذلك في موازاة متابعة تركيا الإجراءات التي ستتّخذها السويد ضدّ عناصر «حزب العمال الكردستاني» وجماعة فتح الله غولين، فيما يُرتقب أن تبدأ السلطة السياسية حملةً إعلامية واسعة لإقناع الرأي العام بأن استوكهولم ملتزمة «محاربة الإرهاب».وفي ضوء المباركة التي منحها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، لانضمام السويد إلى «الناتو»، فهو اعتبر أن علاقات بلاده مع الولايات المتحدة دخلت، مع لقائه نظيره الأميركي، جو بايدن، «مرحلة جديدة بالكامل»، وأن اللقاءات السابقة كانت لـ«التحمية»، موجّهاً كلامه إلى بايدن، بالقول: «بالنسبة إليّ، تمتدّ هذه المرحلة لخمس سنوات؛ أمّا بالنسبة إليكم، فقد بدأت الاستعدادات للانتخابات عندكم وأتمنّى لكم النجاح فيها». وإذ بدا الزعيمان، خلال لقائهما، غارقَين في موجة ارتياح وضحك، لفت في ردود الفعل الداخلية موقف زعيم «حزب الحركة القومية»، شريك إردوغان في السلطة، دولت باهتشلي، الذي قال إن «السويد هي مغارة إرهاب حزب العمال الكردستاني. وحيث جبل قنديل (مقر قيادة الكردستاني) توجد السويد. فكيف يمكن لنا أن نكون تحت قبّة واحدة معها»، ولكنه مع ذلك، ترك القرار لإردوغان.
في هذا الوقت، ساد الترقُّب للموقف الروسي، على رغم تكرار إشاعات يتمّ نفيها حول اعتزام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تأجيل زيارته المقرّرة إلى تركيا، الشهر المقبل. ووفق الناطق باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، فإن «موقف تركيا القاضي بتأييد انضمام السويد إلى حلف الأطلسي، يجب ألّا يفاجئ أحداً... فتركيا بلد أطلسي وعليه التزامات بموجب هذه العضوية. وهذا ليس سرّاً، ونحن كنّا نعرف ذلك ولم نضع يوماً على عيوننا نظارات ورديّة»، مضيفاً أن «روسيا، وعلى رغم كل الخلافات، ستواصل تطوير علاقاتها مع تركيا».
على أيّ حال، فإن المناخ العام الذي سبق وواكب ونتج من قمّة فيلنيوس «التاريخية»، أنبأ بأن الأمور «ماشية»، وأن السويد باتت العضو الـ32 في «الناتو»، فيما انتقلت المعركة الآن إلى الداخل التركي حول ما كسبته تركيا وما لم تكسبه من قمّة «الأطلسي»، وسط شبه إجماع على أن إردوغان أحدث استدارة كبيرة في اتّجاه الغرب. وفي هذا الإطار، يقول برهان الدين دوران، الباحث الاستراتيجي المقرّب من الرئيس، في صحيفة «صباح»، إن إطلاق إردوغان اقتراح فتح طريق أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي جاء منسجماً مع المحادثات التي أجراها من قَبل مع الرئيس الأميركي، مشيراً إلى أن «الجميع نظر إلى الأمر على أنه نوع من المقايضة بين تركيا والولايات المتحدة من أجل الحصول على مقاتلات إف - 16، في مقابل عضوية السويد». ويلفت الكاتب إلى أن «إرادة إردوغان هي في بدء تركيا علاقات جديدة مع الغرب. وفي عالم بدأ يعمل على محاولة تأسيس تعددية قطبية، يجب أن تقرأ بموضوعية خطوة إردوغان تجاه الغرب». ويرى دوران أنه من الضروري أن يعيد «الأطلسي» وتركيا وأوروبا تقييمهم لموجبات التحالف الغربي وتأثيره على المصالح الجيوبوليتيكية لكلّ منهم، معتبراً أن موقف إردوغان قبل القمّة، وتحديداً أثناء لقائه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بخصوص تأييد عضوية أوكرانيا والإعلان عن مشروع الإنتاج المشترك لمسيّرات «بيرقدار» وتسليم قادة كتيبة «آزوف»، «يجب أن يُقرأ في هذا الإطار»، أي على أنه «إجراء لتوازن أشمل بين روسيا والغرب، وليس إجراءً سلبيّاً ضدّ روسيا. ومثل هذا التوازن النشط، لا يمكن سوى لزعامة استثنائية مثل إردوغان أن تقوم به».
ساد الترقُّب الموقف الروسي، في انتظار ما سيصدر من موسكو


أمّا الكاتب المعروف، طه آقيول، في صحيفة «قرار» المعارِضة، فيرى في مقال بعنوان «عودة إردوغان إلى الغرب»، أن السياسة التي اتّبعها الرئيس التركي كانت «صحيحة وبارعة وأعطت نتائج جيّدة»، مضيفاً أن الموافقة على عضوية السويد، كما الرسائل التي وجّهها أثناء لقائه زيلينسكي، هي «رسائل تقرّب تركيا من الغرب وتبعدها عن موسكو». ويعتقد آقيول ان خطوات إردوغان «تُعتبر استدارة كبيرة من جديد في اتّجاه الغرب، بعدما وصف الاتحاد الأوروبي بالصليبية وألمانيا بالنازية، وأعلن في الأول من تشرين الأول 2017 أن تركيا ليست بحاجة إلى أن تكون عضواً في الاتحاد الأوروبي وأنها غير ملزمة بقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان». ويشير إلى أن وزير المالية السابق والحالي، محمد شيمشيك، عبّر عن غضبه من وضع تركيا وابتعادها عن الاتحاد الأوروبي، بالقول عام 2018: «تركيا بحاجة إلى الاتحاد الأوروبي. وليس من أيّ نموذج يمكن أخذه من الشرق أو الجنوب. سوف نواصل أخذ الإلهام من أوروبا في مختلف الموضوعات»، مبيّناً أن وزير الخارجية حاقان فيدان، ورئيس الاستخبارات إبراهيم قالين، «كانا وراء فكرة فتح باب العضوية أمام السويد في مقابل دعم دول الأطلسي تطوير العلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي».
من جهته، يكتب مصطفى بلباي، في «جمهورييات»، أن إردوغان دخل الانتخابات الرئاسية وهو ممتلئ غضباً على «الأطلسي» والغرب والولايات المتحدة، و«ها هو الآن يعمل بالتنسيق معهم على خريطة طريق جديدة... ما جرى في فيلنيوس هو بالضبط ما كان يريده الغرب. وتركيا لم تكن دولة تفاوض بل دولة تجري مساومات معها». لكن نتائج المساومات «لم تعطِ تركيا شيئاً محدّداً سوى وقف دعم الإرهاب ودعمها للدخول إلى الاتحاد الأوروبي وتشكيل آلية ضمن الأطلسي لمكافحة الإرهاب. وكلها عموميات». وبحسب بلباي، فإن «حزب العدالة والتنمية»، وفي سنوات حكمه الأولى، «فعل كل شيء من أجل تثبيت حكمه عبر التشريعات المؤيّدة للاتحاد الأوروبي. وهذا يفيد أيضاً الاتحاد الذي لم يكن يريد عضوية تركيا. ولكن يمكن السؤال: كيف يمكن لتركيا التي أهدرت 20 سنة مع إردوغان أن تعود من جديد إلى المسار الأوروبي مع إردوغان نفسه؟ أمّا أوروبا، فهي لا تريد سوى تركيا التي يمكن استغلالها واستخدامها وليس تركيا الديموقراطية والمحترمة لحقوق الإنسان. وفي الحالتَين، فإن حزب العدالة والتنمية وأوروبا يتّفقان على شيء واحد: العمل ضدّ تركيا».
وتلفت جاله أوزغون تورك، في الصحيفة نفسها، إلى أن إردوغان لمّح أكثر من مرّة إلى أنه إذا لم تصبح تركيا حتى عام 2023 عضواً في الاتحاد الأوروبي، فهي قد تصرف النظر نهائياً عن الفكرة. وتنقل عن مصادر أوروبية، قولها إن «أوروبا لم تشعل الضوء الأخضر أمام تركيا، ولم تربط بين الموافقة على عضوية السويد في الأطلسي وفتح باب العضوية أمام تركيا في الاتحاد الأوروبي»، وإن كانت ستتّخذ بعض الإجراءات المطمئنة لإردوغان، من مِثل زيادة أعداد المسافرين الذين يريدون المجيء إلى أوروبا، وتحديث اتفاقية الوحدة الجمركية مع تركيا. وستراقب، في الوقت عينه، وفق الكاتبة، إجراءات إردوغان في ما يتعلّق بالديموقراطية وحقوق الإنسان والقانون والالتزام بقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.