صنعاء | تحت تأثير مخاوف من استمرار انهيار العملة اليمنية، تدافَع المواطنون ورجال المال والأعمال في المناطق الجنوبية والشرقية، لتأمين مدّخراتهم من العملة المحلّية المتعامل بها في تلك المحافظات، بشراء العملات الصعبة من دولار وريال سعودي. ونتيجة لارتفاع الطلب المتزامن مع شحّ السيولة في السوق، تجاوز سعر صرف الدولار الواحد، مساء الأربعاء، 1518 ريالاً، مقابل 530 ريالاً للدولار الواحد في مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ. إزاء ذلك، اكتفت حكومة عدن باتهام صنعاء بالتسبّب بالانهيار الأحدث، عبر استمرارها في إجراءات منع تصدير النفط، وتوقّفها عن استيراد الغاز المنزلي من شركة «صافر» الخاضعة لسيطرة حزب «الإصلاح» في محافظة مأرب. إلا أن صنعاء، على لسان رئيس «المجلس السياسي الأعلى» (الحاكم فيها)، مهدي المشاط، اتهمت أميركا والسعودية بانتهاج سياسة التجويع ضدّ الشعب اليمني منذ ثماني سنوات. وقال المشاط، خلال لقائه رئيس مجلس الشورى في صنعاء، محمد العيدروس، إن انهيار العملة وتصاعد أزمات الخدمات، على رأسها الكهرباء والمياه، هما نتيجة لتلك السياسات العدائية التي تقف وراءها الولايات المتحدة، منذ نقل وظائف البنك المركزي وقطع مرتّبات الموظفين وتصعيد الحرب الاقتصادية على اليمنيين. الأزمة الجديدة التي ضربت سعر صرف العملة في المحافظات الجنوبية والشرقية، دفعت بالآلاف من سكان عدن إلى التظاهر رفضاً لسياسة التجويع. وجاب المتظاهرون شوارع المدينة، وأحرقوا إطارات السيارات، مندّدين بفساد الحكومة الموالية لـ«التحالف» وفشلها، ورافضين ما يُسجّل من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية الأساسية التي بلغت أعلى مستوياتها خلال الأيام الماضية، بعدما تجاوز سعر كيس القمح من وزن 50 كيلوغراماً، نحو 48 ألف ريال يمني. وفي هذا الإطار، هدّد العشرات من التجار في محافظتَي تعز وعدن، بالإضراب الكلّي احتجاجاً على انهيار العملة، متّهمين حكومة معين عبد الملك بالتسبّب بالانهيار الاقتصادي والاجتماعي في المحافظات التي تشهد أسواقها تقلّبات سعرية شبه يومية، مدفوعةً بعدم استقرار سعر صرف العملة المطبوعة من دون غطاء. واتّهم مصدر مصرفي في مدينة عدن، في حديث إلى «الأخبار»، البنك المركزي التابع لتلك الحكومة بالوقوف وراء الانهيار الأخير، معتبراً أن قيادة البنك تدفع الوضع إلى المجهول. وأشار إلى أن التدهور الأحدث جاء في أعقاب قيام «مركزي عدن» بتحديد سعر صرف الدولار بـ 1385 ريالاً في آخر مزاد له الثلاثاء، وهو ما دفع بسعر الصرف إلى المزيد من الانهيار.
جدّدت صنعاء عرض تحييد وتوحيد البنك المركزي وتوريد كلّ الإيرادات إليه مع نقل وظائفه إليها


ووسط اتهامات أميركية وفرنسية وبريطانية لصنعاء بالتسبّب في ما يَجري حالياً، دافعت حكومة الإنقاذ بأن الانهيار بادئ ومستمرّ منذ ما قبل قرار منع تصدير النفط الخام، متّهمةً حكومة عدن بأنها فشلت في إدارة الملفّ الاقتصادي في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، على رغم ارتفاع الإيرادات العامة لديها. وأعاد عضو «المجلس السياسي الأعلى»، محمد علي الحوثي، عرض صنعاء المقدّم عام 2021، بشأن تحييد وتوحيد البنك المركزي، وتوريد كل الإيرادات إليه، شريطة إعادة وظائفه إلى العاصمة، كما كان قبل أيلول 2016، مبدياً في سلسلة تغريدات نشرها على حسابه على «تويتر»، استعداد حكومة الإنقاذ لإعادة سعر صرف العملة إلى ما كان عليه خلال فترة وجيزة، ومشيراً إلى أن العرض السابق بهذا الشأن لا يزال سارياً.
وينفي اقتصاديون أن تكون هناك عوامل اقتصادية موضوعية جديدة وراء الانهيار الأخير، مشيرين إلى أن معدلات الاحتياطي النقدي لبنك حكومة عدن في الخارج لا تزال آمنة، وفقاً لبيان رسمي صادر عن البنك الذي نفى ما ذكرته وكالة «رويترز»، نقلاً عن مسؤول يمني في الرياض أواخر الشهر الماضي، عن تناقص احتياطات «المركزي» الخارجية إلى أقلّ من سقف 200 مليون دولار. ويرى بعض هؤلاء أن عدم تدخّل البنك لوقف التدهور، يشي بأن «ما يحدث عمل مدبّر يجري بالتنسيق مع أميركا وفرنسا وبريطانيا التي أصبحت أكثر قرباً من حكومة عدن، وعمدت إلى تبنّي حملة ديبلوماسية على المستوى الدولي للتحريض على صنعاء على خلفية قرار حماية الثروات الوطنية الصادر من قبل الأخيرة، والذي ربط إعادة إنتاج وتصدير النفط بصرف مرتبات الموظفين». وكانت الدول الثلاث قد صعّدت، الاثنين، عبر مندوبيها في مجلس الأمن، لهجتها ضدّ حكومة الإنقاذ، وجدّدت التلويح بإعادة فرض الحصار على ميناء الحديدة، ونسف كلّ ما تَحقّق من تقدّم في هذا الإطار.