نُظِر إلى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في وسائل الإعلام الموالية له في بلاده، وتلك الصادرة في الغرب، على أنه كان «بطل» قمّة «حلف شمال الأطلسي» التي انعقدت في فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا، في اليومين الماضيين، ولا سيما أن انتزاع موافقة تركية على انضمام السويد إلى «الناتو»، مثّل أولويةً للحلفاء. وإنْ لم يفاجئ ما جرى كثيرين، لجهة سرعة إسقاط إردوغان «الفيتو» على عضوية استوكهولم، بدا كأن الرئيس التركي لم يحصل مقابل تنازلاته على ما هو قابل للصرف بعد. وإذا كان إردوغان قد أعاد فتح طريق تركيا - الغرب، أملاً بعلاقات «طبيعية» مع العالم الغربي، فليس خافياً أن «جوهر» المسألة يكمن في تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، وهو ما ظهر جليّاً في المحادثة الهاتفية التي أجراها الرئيس التركي مع نظيره الأميركي، جو بايدن، مساء الأحد، حين استطاع الأخير انتزاع تأييد الأول لعضوية السويد في «الناتو». وإذا كان تعهُّد السويد بـ«مكافحة الإرهاب» حتى النهاية لا يعادل جزءاً بسيطاً من أهميّة انضمامها إلى الحلف في ذروة الصراع مع روسيا، فإن إردوغان حاول، قبل القمّة وأثناءها، أن يبرّر تنازلاته، باعتبارها ستفتح له الطريق واسعاً أمام التحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي. على أن الأهمّ بالنسبة إلى أنقرة، تَمثّل خصوصاً في تعهّد بايدن بتسريع موافقة الكونغرس على بيع 40 طائرة من طراز «إف-16 فيبر» الأميركية الحديثة، إلى تركيا، وتحديث 80 طائرة أخرى موجودة أصلاً في حوزة الدولة الأطلسية. وفي هذه النقطة تحديداً، عملت الولايات المتحدة على إخراج تركيا نهائياً من مشروع إنتاج طائرات «إف-35»، على رغم دفعها مبلغ مليارَي دولار (لم تستعِدْها بعد) من حصّتها في المشروع، والمقدَّرة بنحو خمسة مليارات دولار. وكانت تركيا قد مُنعت من امتلاك طائرات «إف-35»، على خلفية حصولها على منظومة صواريخ «إس-400» الروسية، بعدما رفضت أميركا بيعها بطاريات «باتريوت»، اعتراضاً على تطويرها علاقاتها مع روسيا.شكّلت موافقة تركيا على فتح الطريق أمام عضوية السويد في «حلف شمال الأطلسي»، وتأييدها انضمام أوكرانيا إلى الحلف، حجر الزاوية في الترحيب الغربي بـ«الابن الضالّ»، وعودته إلى الحظيرة الغربية. فهطلت عبارات الشكر من القادة الغربيين على إردوغان، واحتفلت الصحافة التركية، بشقّها الموالي، بتطبيع العلاقات مع الغرب، من خلال نشر عدد كبير من الصور التي تُظهر إردوغان مرتاحاً وباسماً برفقة بايدن والأمين العام لـ«الناتو»، ينس ستولتنبرغ. أمّا صحيفة «جمهورييات» المعارضة، فذكّرت بأن إردوغان نفسه كان قد قال خلال حملته الانتخابية الأخيرة: «بايدن أعطى الأمر شخصيّاً لخلعي. أنا أعرف ذلك، وشعبي يعرف ذلك. إذا كان الأمر هكذا، فغداً سوف يردّ الناخبون على بايدن في صناديق الاقتراع». ولم يمضِ شهر ونصف شهر على انتهاء الانتخابات الرئاسية التي اعتمدت في جزء منها على خطاب معادٍ للغرب عموماً (وخصوصاً الهجوم الكاسح على «ميثاق إسطنبول» الذي انسحبت منه تركيا، والذي يرعى، من بين بنود أخرى، حقّ المثليين في الحركة والزواج)، حتى كان إردوغان يجدِّد «عقد الزواج» مع الشريكَين الأميركي والأوروبي، وهو الأمر الذي أثار انتقاد شريكه، دولت باهتشلي، أولاً، ومن ثم شريكه الآخر، فاتح إربكان، الذي انتقد موافقة تركيا على ضمّ السويد، مطالباً بإعادة النظر في الاتفاق لدى وصوله ومناقشته في البرلمان التركي.
مع اختتام أعمال «قمّة فيلنيوس»، هل بات يمكن القول إن مرحلة جديدة قد انطلقت بالفعل بين تركيا والولايات المتحدة تحديداً؟


والآن، مع اختتام أعمال «قمّة فيلنيوس»، هل بات يمكن القول إن مرحلة جديدة قد انطلقت بالفعل بين تركيا والولايات المتحدة تحديداً؟ يجيب عن هذا السؤال، رئيس تحرير صحيفة «حرييات» السابق، سادات إرغين، في الصحيفة نفسها، بالقول إنه «على الرغم من التباينات في العلاقات بين أنقرة وواشنطن، فقد كان ممكناً وبسهولة، أن يتواصل كلّ من إردوغان والرئيس السابق دونالد ترامب. ولكن مع الرئيس بايدن، وعلى رغم عقد 4 اجتماعات متفرّقة على هامش قمم ومناسبات، فإن الخلافات بين البلدَين لم تتراجع، في أكثر من مسألة، منها إخراج تركيا من مشروع إف-35، وعدم بيعها 40 طائرة من طراز إف-16، في مقابل بيع اليونان إف-35 وإف-16، وتعزيز الوجود العسكري الأميركي في قاعدة ديدي آغاتش اليونانية؛ دعم واشنطن لقوات حماية الشعب الكردية في سوريا؛ حماية جماعة فتح الله غولين؛ وعدم دعوة تركيا إلى المشاركة في "قمم الديموقراطية" في واشنطن». ويضيف الكاتب إن «قمّة فيلنيوس كانت المناسبة الأولى التي تتصالح فيها تركيا مع الولايات المتحدة». وكان إردوغان قد أعلن بعد لقائه بايدن، مساء الثلاثاء، أنه «أكثر أملاً من أيّ وقت مضى»، فيما قال بايدن إنه «واثق من أن الكونغرس سوف يوافق على بيع تركيا طائرات إف-16». ويلفت إرغين إلى أن «مؤشّر التطوّر الحقيقي للمرحلة الجديدة هو أن تكون الخطوة التالية، دعوة بايدن إردوغان لزيارة واشنطن، وعلى الأرجح خلال الخريف المقبل. فهل يحدث ذلك؟». وفي «حرييات» أيضاً، ترى هاندي فرات أن «مفتاح تحسّن العلاقات التركية - الأميركية، هو في تعهّد بايدن بيع تركيا طائرات إف-16، فكانت الموافقة التركية الفورية على انضمام السويد». وهذه الانفراجة، تقول الكاتبة، «ساعدت في ترطيب العلاقات بين أنقرة وأثينا، خلال اللقاء الذي جمع إردوغان إلى رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، يوم الأربعاء الماضي».
بحسب فهيم طاشتكين في «غازيتيه دوار»، «نال الغرب مراده من تركيا، ولكن علامَ حصلت تركيا؟». يقول الكاتب إن «الزعيم الأكثر خدمةً لمصالح حلف شمال الأطلسي، هو إردوغان. ومع ذلك، ماذا سيكون عليه موقف الرئيس عندما يعود ويتهيّأ للقاء بوتين؟ ماذا سيفعل بملفّ بيع الغاز الطبيعي بأسعار مخفّضة، وتأجيل سداد الديون، والمفاعل النووي، وملفّ سوريا، والاستقرار في البحر الأسود، والأموال الروسية المودعة لدى تركيا، وعملية السلام في جنوب القوقاز، وممر زنغيزور، واتفاقية الحبوب التي تنتهي في 17 تموز؟ وأيّ وساطة سيقوم بها زعيم فقد ثقة الروس به، بعد تسليم قادة آزوف وبيع المسيّرات لأوكرانيا وربّما المدافع؟». ولكن «روسيا تعرف أن خيار إردوغان في النهاية هو الغرب والأطلسي، مع أنها واثقة من أنه سيكون مضطرّاً للعمل معها في كلّ الملفّات أعلاه. وسترى روسيا إلى أيّ حدٍّ قد ذهب إردوغان في علاقاته مع الغرب، فيما هي مقتنعة بأن العودة إلى غرب يكيل له المديح لن يستمرّ طويلاً»، يضيف الكاتب.
وفي موازاة الحملة السياسية والديبلوماسية المستجدّة مع «الأطلسي»، تستعدّ تركيا لإطلاق الجزء الرئاسي من حملتها الاقتصادية، يوم الاثنين المقبل، مع وصول إردوغان إلى السعودية لبدء جولة «مالية واقتصادية»، ستشمل قطر في اليوم الثاني، ومن بعدها الإمارات، بعدما قاربت جولة الفريق الاقتصادي المؤلّف من وزير المالية، وحاكمة المصرف المركزي، ونائب رئيس الجمهورية، على الانتهاء في هذه الدول، لدفعها إلى الاستثمار وضخّ المال في تركيا. وستلي ذلك زيارة مهمّة للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لأنقرة، يوم 27 تموز الجاري، ومن بعدها الاستعداد للقمّة الحسّاسة مع بوتين، في حال عقْدها.