أنهى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، يومه الثاني من جولته الخليجية بزيارة قطر، بعدما زار قَبلها السعودية، على أن يختتم رحلته اليوم من الإمارات، لينتقل بعدها مباشرةً إلى قبرص التركية. ويأمل الأتراك مع انتهاء الرحلة الخليجية المخصّصة لجمع المال اللازم لضخّه في الاقتصاد التركي على شكل استثمارات وودائع، في أن يساهم ذلك في رفع احتياطي العملة الصعبة في المصرف المركزي، وتالياً لَجْم تدهور سعر صرف الليرة. وإذ تركَّز الاهتمام التركي على مشاركة الشركات المحلّية في المشاريع الخليجية الضخمة، تقول صحيفة «يني شفق» إن إردوغان الذي يرافقه في جولته الخليجية 200 رجل أعمال، يسعى إلى زيادة حجم التجارة مع الدول الإسلامية بنسبة 30% من إجمالي الصادرات التركية التي تبلغ راهناً حوالى 254 مليار دولار، من بينها 76 مليار دولار (26%) مع الدول الإسلامية، وصولاً إلى 400 مليار دولار في عام 2028. وعلى رغم الحديث عن أرقام فلكية، إلّا أن الأرقام التجارية تبدو متواضعة جدّاً، قياساً إلى حجم الإمكانات المتوافرة. وتشير صحيفة «ميللييات»، في هذا المجال، إلى واقع التبادل التجاري اليوم مع الدول الثلاث التي شملتها جولة الرئيس التركي، مبيّنةً أن حجم التجارة مع السعودية، بلغ، عام 2022، ستة مليارات ونصف مليار دولار، أي بزيادة 4 مليارات عن السنة التي سبقتها، وهي أرقام «ضعيفة جدّاً»، بحسبها، إذ يجب «رفع التجارة مع المملكة إلى 10 مليارات دولار في المدى القصير، وإلى 30 ملياراً في المدى الأبعد»، علماً أن هناك 1400 شركة سعودية تعمل حالياً في تركيا، بحسب وزير التجارة التركي، عمر بولات.ومن جهتها، تنتقد المعارضة التركية حجم التجارة مع قطر، إذ إنها بالكاد تجاوزت المليارَي دولار في عام 2022، بزيادة 30% عن العام الذي سبقه، علماً أن الاستثمارات التركية في الدولة الخليجية الصغيرة واسعة، وتقارب قيمتها الـ20 مليار دولار، ولا سيما في مشاريع المترو والطرق البريّة. وتُعدّ العلاقات مع الإمارات، الأكثر أهمّية بالنسبة إلى تركيا، إذ وصل حجم التجارة بينهما، عام 2022، إلى 10 مليارات دولار (5.4 مليارات صادرات تركية، و4.5 مليارات دولار صادرات إماراتية). ولكن، لوحِظ أن الصادرات التركية إلى الإمارات تراجعت، العام الماضي، ولو بنسبة ضئيلة (1.4%)، عن العام الذي سبقه. ولهذا، يعمل الجانبان على زيادة التجارة إلى 25 مليار دولار خلال خمس سنوات، فيما يبلغ حجم الاستثمارات التركية في الإمارات، 12.6 مليار دولار في مشاريع المطارات والطرق والمباني السكنية. ويطمح إردوغان إلى أن يبلغ حجم الاستثمارات الخليجية بالمجمل في بلاده، 25 مليار دولار يمكن أن ترتفع لاحقاً إلى 50 ملياراً، لكن سرتاتش إش يَذكر، في صحيفة «جمهورييات»، أن رجال الأعمال الخليجيين يفضّلون الاستثمار في مشاريع جاهزة. ومع أن نتائج الجولة لن تُعرف قبل مرور بعض الوقت عليها، فإن الإشاعات تكثر حول بيع تركيا لعدد من مؤسّساتها العامة الكبيرة، مثل الخطوط الجوية التركية، أو شركة أنابيب النفط (بوتاش)، أو تلزيم إدارة مرفأ «ألصنجق» في إزمير، أو غيرها من المؤسّسات التي يملكها «صندوق السيادة الوطني» التابع للدولة. وفي هذا المجال، ردّ إردوغان على مَن اتهموه بـ«التفريط بالسيادة الوطنية»، بالقول: «نحن نعرف ما الذي يجب بيعه، وما الذي لا يجب بيعه».
تكثر الإشاعات حول بيع تركيا لعدد من مؤسّساتها العامة الكبيرة، مثل الخطوط الجوية التركية، أو شركة أنابيب النفط


وتعليقاً على جولة إردوغان الخليجية، يقول مراد يتكين إن «الاقتصاد التركي يمرّ بأزمة عميقة، وليس أدلّ على ذلك من أن الزيادات الكبيرة في الضرائب (أكثر من 20%) على منتجات الطاقة وغيرها، قد أذابت الزيادات على الرواتب التي أُقرَّت في مطلع الشهر الجاري». لهذا، فإن اعتراضات شركاء إردوغان على هذه الزيادات «لا قيمة لها»، لأن «الحصان مرّ في اسكودار (حيّ في إسطنبول)»، وفق المثل التركي الشائع، «وانتهى الأمر»، أي إن إردوغان فاز في الانتخابات ونال مراده ولا يعير أهميّة لمنتقديه من شركائه. ويتوقّف يتكين هنا، كما الصحافي فهيم طاشتكين في صحيفة «غازيتيه دوار»، عند ادّعاء الكاتب المعروف، سيمور هيرش، بأن موافقة تركيا على انضمام السويد إلى «حلف شمال الأطلسي» جاءت نتيجة اتّفاق بين إردوغان ونظيره الأميركي، جو بايدن، يقضي بأن تحصل أنقرة على قروض تُراوح قيمتها ما بين 11 و13 مليار دولار من «صندوق النقد الدولي»، وهو ما يعدّ، في حال صحّته، مستهجَناً، نظراً إلى أن الرئيس التركي ظلّ يتباهى بواقع أن بلاده سدَّدت، منذ سنوات بعيدة، ما عليها من ديون للصندوق، بل وباتت هي التي تقرضه. وفي هذا الإطار، يرى خبراء اقتصاد أتراك أن إردوغان لن يعثر على مراده في الخليج، وسيضطرّ للعودة إلى «صندوق النقد الدولي» لاحقاً، وأن صورة تركيا الباحثة عن المال في الخليج ليست مريحة للمستثمرين، وتدفعهم إلى النزوح عنها.
لكن يتكين يستبعد زعم هيرش، قائلاً إن المبلغ المقترَح ليس كبيراً لإنقاذ تركيا، كما أن عقيدة إردوغان لا تدفع في الاتّجاه المتقدّم، فيما «صندوق النقد» لا يسير تلقائيّاً كما لو أنه مجرّد أداة أميركية. لذلك، لجأ الرئيس التركي إلى إجراءات جراحية عبر زيادة الضرائب على استهلاك الطاقة، ومن ثمّ ذهب إلى الخليج لجمع المال والبحث عن إنقاذ لمأزق الاقتصاد التركي. وبدوره، ينتقد النائب السابق عن «حزب العدالة والتنمية»، بدر الدين يلديريم، هذه الزيادات، قائلاً إن تركيا لم تَعُد قادرة على التحكُّم بسلسلة الزيادات على الضرائب، وإن الارتفاع في أسعار استهلاك الطاقة كسر ظهر الأمّة و«يجب وضع حدٍّ للفساد والهدر في القطاع العام»، مبيّناً أنه «في السنوات الخمس الماضية، تمّ التهرّب من دفع 200 مليار دولار تقريباً من الضرائب، والآن تأتي زيادات مماثلة على الطاقة، فهل هكذا يدار البلد؟»، يتساءل يلديريم.
وانتهت زيارة إردوغان إلى السعودية، بتوقيع خمسة اتفاقات للتعاون في مجال الاتصالات والإعلام والطاقة والصناعات العسكرية، وتحفيز الاستثمارات. وإذ قدّر الرئيس التركي حجم التجارة الخارجية لبلاده مع دول الخليج، بـ22 مليار دولار، فهو وصف زيارته إلى قطر بأنها ممتازة على كلّ الصعد، على أمل أن يصلح «العطّار» الخليجي ما أفسده الدهر التركي. وكال الباحث برهان الدين دوران، المقرّب من إردوغان، على خلفية ذلك، المديح لسياسة الرئيس التركي الاستثمارية الجديدة، وقال: «كما نجح في سياسة استخدام القوّة الخشنة في القوقاز وأثناء حصار قطر، ها هو ينتقل من مرحلة التوتّرات إلى مرحلة التطبيع مع الكثير من الدول». وأضاف دوران، في صحيفة «صباح»، أن تركيا، وبعدما سيّرت الحملات العسكرية في سوريا وشرق المتوسط وليبيا، لم تَعُد ترى ضرورة لاستخدام لغة التوتّرات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج.
على صعيد آخر، تَذكر «يني شفق» أنه من بين المشاريع الكبيرة التي يبحثها إردوغان، استكمال «طريق التنمية»، الذي أَعلن عنه العراق، في نهاية أيار الماضي، والذي ينقل الصادرات الخليجية برّاً عبر بلاد الرافدَين وصولاً إلى تركيا ومنها إلى الأسواق الأوروبية. لكن الأهمّ في مشروع هذا الطريق، أن تصبح بوابة «أوفاكوي» التركية في الزاوية الغربية من الحدود مع العراق وعلى مقربة من الحدود السورية، مركز هذه التجارة التي يمكن أن تمرّ عبرها سنوياً صادرات بمليارات الدولارات. ومن «ميزات» الطريق المذكور أنه يمرّ من الجنوب إلى بغداد ومنها عبر المناطق السنّية إلى محافظة الموصل فبوابة «أوفاكوي» من دون المرور بالمناطق الكردية، على أن تبقى بوابة الخابور في المنطقة الكردية وغير البعيدة كثيراً عن «أوفاكوي»، مفتوحة. وبالتالي، ستضمن الطريق المارّة بـ«أوفاكوي» صلة الوصل البريّة بين التجارتَين الأوروبية والخليجية. وتلفت الصحيفة نفسها إلى أن معظم تجارة دول «مجلس التعاون الخليجي» مع أوروبا، تمرّ عبر قناة السويس، فيما يمكن لـ«طريق التنمية» الذي سيكلّف حوالى 17 مليار دولار، ويلحظ شقّ طريق برّي وسكة حديد، أن يختصر الوقت للصادرات الأوروبية والخليجية عبر تركيا والعراق بصورة كبيرة، وصولاً حتى إلى ميناء «الفاو» العراقي، وأن يضاعف حجم التجارة المارّة عبر تركيا.