استحال باسم ياخور علامة فارقة في الفن السوري بفضل تراكم تجاربه عبر السنوات: إرث درامي وازن، ومنجز ثري، وموهبة مدعّمة بخبرة وافية، وبراعة في الاختيار بين الأدوار. يبدو ذلك صريحاً من خلال قنصه النجاح تلو الآخر، إما على المستوى الجماهيري، أو من ناحية القيمة النوعية والحالة الفكرية. إذ سيكون مسؤولاً عن أدائه وسويّة حضوره بغض النظر عن قيمة العمل أو عمقه.عموماً، مهما كان الممثل في بلادنا العربية قادراً على التجديد، وبارعاً في خلق شخصيات منوّعة ومتباينة، سيعجز في محلات عدّة عن صوغ الفرجة المدهشة التي يترصّدها الجمهور دائماً، بسبب اضطراره للظهور الغزير سنوياً، مقارنة بالدول المتحضرة فنياً ودرامياً. لذا، لم يكن هناك أمام ياخور سوى الاعتناء بالخيارات، والذهاب نحو المطارح التي تليق ببنيته وتركيبته كممثل، عدا عن تحقيقه نجاحات كبيرة في الكوميديا.
في الموسم الأخير، كان باسم «نجم الشبّاك» من دون منازع في «العربجي» (كتابة: عثمان جحى ومؤيد النابلسي، وإخراج: سيف السبيعي) الذي أُعدّ بمنطق شعبوي يناسب جمهور رمضان. لكن اليوم يبدو كمن تجهّز لطبق ثانٍ يلبّي الحالة الفكرية والثقافية. إذ سيكون النجم السوري حاضراً كضيف شرف في «سلمى» (إخراج جود سعيد وكتابته مع سومر إبراهيم وطارق علاف). الفيلم الذي سيبدأ تصويره يوم الجمعة المقبل في طرطوس، قال لنا مخرجه إنّه: «حكاية امرأة تؤدي دورها النجمة سلاف فواخرجي. تعيش مع حميها وابنها وابن أختها الذي أنقذته من انهيار البناء الذي كانوا يعيشون فيه أثناء الزلزال الذي تسبّب بموت والدته لتصبح «سلمى» أمّه». وعن سبب اختيار قصة هذه المرأة لتكون محور العمل، يعلّق: «هي مثال لسوريات كثيرات ممن فقدن أزواجهن من دون أن يعرفن لماذا. هي تبحث عن شهادة وفاة لزوجها لتستطيع مواصلة حياتها. تقودها رحلة البحث هذه نحو الاصطدام بكل ما نعيشه اليوم من منغّصات، سواء كانت مادية أو غير ذلك، لتجد نفسها فجأةً في موقف يفرضه عليها اعتدادها بنفسها، فتترشّح لمجلس الشعب وهنا تقودها الأقدار إلى حكاية من نوع مختلف».
أما النجم السوري باسم ياخور، فيحكي في حديثه معنا عن علاقته كممثل بالفنّ السابع، قائلاً: «تجربتي في السينما ليست غنية. لدي فيلم في مصر وآخر في سوريا. لم يسبق أن عُرضت عليّ تجارب سينمائية كثيراً، لذا فقد وجدت نفسي اليوم عندما تلقيت عرض فيلم «سلمى» بحماسة كبيرة». ويضيف: «التجربة السينمائية مغرية لأنّ هذا النوع من العمل متأنٍّ، وهادئ. أما الدراما التلفزيونية، فهي، وإن كانت جيّدة لا تأخذ المتسع نفسه من الوقت الذي يخدم المشاهد ونوعيّتها، إذ إنّ العمل السينمائي ينتمي للنوعية الثقافية والفكرية الأشبه بالرواية السينمائية. لكن بالنسبة إلى التلفزيوني، فهو إلى حدٍّ ما يميل نحو الاستهلاك، لذا تبقى التجربة، نوعياً وثقافياً وفكرياً، منتمية إلى مدرسة نخبويّة أكثر. وصحيح أنّ هناك تجارب تجارية وأحياناً جماهيرية، لكن تبقى للعمل السينمائي خصوصيّته».
أما عن سبب صمود السينما كحلم بالنسبة إلى أي ممثل، فيشرح ياخور أنّ الأمر «مرتبط بقيمة المادة المقدّمة وأهميّتها. يمكن أن تصبح المسألة هدفاً للممثل إن كانت الحالة الفنية في الشريط جيدة وراقية، فتغريه ليكون جزءاً منها».
قد يستغرق التصوير في طرطوس أكثر من شهرين


وبالنسبة إلى خصوصية التعامل مع جود سعيد، فيلفت إلى أنّه مخرج «متميّز، ومهمّ، ومتأنٍّ، وله تجارب جميلة جداً وخصوصاً في السينما. صقل أدواته وبلور وجهات نظر في حالات متفردة... واليوم يبدو لي أنّه يحضّر لهذه التجربة جيّداً، لأنّ الورق مكتوب بعناية. كما أنّني واثق ومتأكد بأنّ النتائج ستكون مهمة. هذا مشروع شخصي يراهن عليه جود، وأنا بدوري أراهن على وجودي معه لإنجاز حالة لطيفة ومختلفة». ويكمل قائلاً: «سيستغرق العمل وقتاً طويلاً، وقد يستمرّ التصوير لأكثر من شهرين. كلّ هذه المعطيات تشجّع على الانخراط في المشروع، بالإضافة إلى الطاقم والأسماء المليئة بالحب والشغف لصنع عمل روائي مترجم إلى صورة سينمائية متقنة».
وعن مشاركته في العمل من دون أجر مادي كما أخبرنا فريق الفيلم، فيشدّد باسم على أنّه «أحياناً لا ترتبط كل زوايا الحالة المهنية بالجانب المادي. فهناك مشاريع لها ظروفها وتتمتّع بعوامل جذب، ناهيك بالحبّ والعلاقة الشخصية والصداقة التي تربط العاملين في المهنة بعضهم ببعض، والإيمان بالمشاريع والرغبة في أن نسجل حالات من التعاطف الفكري والفني... هذا كله مطلوب وأعتقد أنّه واجب على الجميع». ويختم حديثه قائلاً: «تحتاج السينما السورية اليوم أن نصنع نقاط اختلاف، ومنصات انطلاق متمايزة وجديدة، ويسعدني جداً أن أكون في إحداها تحت إدارة مخرج مثل جود سعيد».