لا يكون عادياً في أحيانٍ كثيرة أن ينتقل لاعبٌ ما من فريقٍ معيّن الى غريمه التقليدي. حالاتٌ كثيرة من هذا النوع أحدثت ضجةً كبيرة في انحاءٍ مختلفة من العالم، لعلّ ابرزها في العصر الحديث لكرة القدم انتقال النجم البرتغالي السابق لويس فيغو من برشلونة الى ريال مدريد حيث وُصف بالخائن وبأسوأ الأوصاف حتى تحوّلت هذه النقلة الى قصةٍ وثائقية تُعرض حالياً على منصة «نتفليكس».فيغو لم يكن الأول أو الأخير الذي يترك ناديه باتجاه عدوه الأزلي، اذ سبقه الى فعلها العديد من النجوم الآخرين الذين تنقلوا بين الناديين، لكن بسبب حجم نجوميته في زمنٍ بدأ فيه التسويق والإعلام يلعب دوراً اساسياً في تأجيج النيران المشتعلة اخذ الأمر ذاك الصخب.
وفي سياقٍ متصل، لكن بوجهٍ مختلف، شهدت بطولة معروفة أخرى الكثير من حالات الانتقال للاعبين اختاروا الدفاع عن الوان الجار المزعج، وهي الدوري الإيطالي حيث ارتفع بشكلٍ مطّرد عدد اللاعبين الذين انتقلوا من إنتر ميلانو الى ميلان او العكس.

بين المنارة وطريق المطار
الحالة نفسها عرفها الدوري اللبناني، أقلّه منذ 6 سنوات حيث بات كلاسيكياً ان يتنقل اللاعبون بين النجمة والأنصار موسمياً، وهي مسألة عرفتها اللعبة محلياً في مراحل مختلفة بقيت ذكراها حاضرة من خلال ما رسّخه النجوم في الملاعب، أمثال الأساطير: عدنان الشرقي، عبد الرحمن شبارو وجمال الخطيب الذين انطلقوا مع «النبيذي» في ما يسمّى فترة «قبل الحرب»، ومن ثم تألقوا بالقميص الأخضر، بينما شهدت الفترة اللاحقة وفي سنواتٍ مختلفة الحالة نفسها مع عبور الثلاثي الدفاعي الشهير: احمد فرحات، احمد صالح وبلال زغلول الى الأنصار، وأيضاً انتقال احد ابرز هدافي النجمة علي ناصر الدين الى صاحب اكبر عدد من الألقاب في بطولة لبنان. هذه مجرد امثلة طبعاً عن اسماءٍ بارزة عبرت بشكلٍ مباشر بين الفريقين، في وقتٍ بدأت فيه أسماء أخرى مسيرتها مع احدهما، ومن ثم توقفت عند محطة انتقالية قبل ان تبدّل من الوانها وتلعب مع الفريق الغريم لحبّها الأول. هذا ما حصل مثلاً مع كريم درويش الذي وصل الى النجمة ومرّ بالإخاء الأهلي عاليه قبل ان يوقّع مع الأنصار الذي انتقل منه الى العهد اخيراً.
بات انتقال لاعبي النجمة إلى الأنصار أو العكس مسألةً كلاسيكية في الأعوام الأخيرة


هنا تكثر الأمثلة، لكن يبقى السؤال، لماذا يُقدم لاعبٌ ما على هذه الخطوة الجريئة بترك فريقه للعب مع غريمه اللدود؟
سؤالٌ أجاب عنه بطرقٍ مختلفة العديد من اللاعبين الذين دافعوا أو لا يزالون عن الوان الفريقين معاً، لكن القاسم المشترك في حديثهم الى «الأخبار» تفضيلهم عدم الكشف عن هوياتهم لأسبابٍ عاطفية ترتبط بجمهور فريقهم الحالي او السابق، او ربما تحسّباً للعودة يوماً ما على غرار ما حصل مع خالد تكه جي مثلاً عندما انتقل الى الأنصار ومنه الى الاخاء الأهلي عاليه قبل ان يعود مجدداً الى النجمة.

أسباب مبرّرة لتبدّل الألوان
الفريق الأخضر بدا الأكثر استفادةً من لاعبي غريمه في الأعوام الأخيرة، بدايةً من خطفه قائد منتخب لبنان حسن معتوق ومن ثم نائبه نادر مطر، وبعدهما علي طنيش «سيسي»، وصولاً هذا الصيف الى التوقيع مع علي علاء الدين وإدمون شحادة لينضمّوا الى آخرين سلكوا نفس الاتجاه قبلهما، أمثال (انتقال غير مباشر) فايز شمسين، يحيى الهندي، يوسف الحاج، عبد الله عيش، اضافةً الى الحارسين ربيع الكاخي ونزيه اسعد.
اما النجمة فقد حصل ايضاً على أسماءٍ عدة بانتقال مباشر او غير مباشر، على غرار بلال نجدي، حسن شعيتو «موني»، حسن بيطار، حسين عواضة، عبد الفتاح عاشور، امير الحصري، مازن جمال، وأخيراً ربيع عطايا.

(طلال سلمان)

ويشرح احد نجوم الدوري الحاليين سبب قبوله فكرة اللعب مع غريم فريقه، معتبراً ان «حلم كل لاعب كرة قدم في لبنان الدفاع عن الوان احد الفريقين الأكثر شعبية، لذا سيكون قد حقق اكثر مما حلم به باللعب مع الاثنين خلال مسيرته». ويضيف: «ان تعتاد على مؤازرة جمهورٍ كبير هي سبب آخر يدفعك عند الرحيل عن الأنصار او النجمة اللعب مع الفريق الغريم، اضافةً الى الحفاظ على مستوى اسمك في دائرة النجومية، ما يجعلك تختار احدهما حصراً لأنه فريق كبير».
بدوره، يشير نجمٌ دولي آخر الى انه لم يشعر يوماً بأنه كان يرغب في الانتقال الى الجار البيروتي «لكن الظروف تحكم احياناً، ويأتي في مقدّمتها ما يمكن ان يقدّمه هذا النادي مقارنةً بالآخر». ويتابع: «واجهت ظرفاً ادارياً قاهراً أجبرني على اتخاذ قرار اللعب باللون الذي كرهه جمهور فريقي السابق، الذي حزن بسبب رحيلي وأراد بقائي، لكنه تفهّم ايضاً بأنني كنت مجبراً على اتخاذ هذا الخيار، ومن تسبّب في رحيلي وترك غيري للنادي باتجاه غريمه هو من يتحمّل السبب ولا احد غيره».
كما برز رأيٌ آخر يرتبط بجانبٍ فني للاعبٍ سيخوض موسمه الثالث على التوالي مع الأنصار بعدما انتقل اليه من النجمة، فيقول: «قرار انتقالي انطلق من نظرةٍ تقنية بحيث وجدت وقتذاك بأن للأنصار افضلية ويمكنه الفوز بالدوري، وهو ما حصل، ما ساهم بشكلٍ مباشر في استدعائي الى المنتخب الوطني، وهذا كان هدفي، ولو انتقلت الى فريقٍ آخر لما كنت قد حققت حلمي بالدفاع عن الوان لبنان».
اذاً هي قصةٌ لن تنتهي. قصة «معركة بيروتية» قديمة في الملاعب والمكاتب، وينتظر ان تتجدّد هذا الموسم انطلاقاً من الحضور القوي الدائم للفريقين للمنافسة على الألقاب.