«حكومة الخراب... حكومة الخراب... حكومة الخراب»؛ هكذا تعالت هُتافات أعضاء المعارضة في خضمّ التصويت على 140 تحفُّظاً قُدّمت على قانون «إلغاء ذريعة عدم المعقولية»، قبل انسحابهم من قاعة الهيئة العامة لـ«الكنيست» لحظة التصويت على القانون بالقراءتَين الثانية والثالثة، ونفاذه بعدما صوّت «معكسر المؤمنين» بقيادة بنيامين نتنياهو، بكامل أعضائه الـ64، لمصلحته، مجتازاً بذلك أوّل عتبة في سلّم خطّة «الانقلاب القضائي» المكوّن من ثمانية قوانين، هدفها تقويض مكانة السلطة القضائية.أمّا خارج مبنى «الكنيست»، وفي محيط «المحكمة العليا» في مدينة القدس المحتلّة، وبينما تدافع أعضاء الائتلاف لالتقاط صور «السيلفي» مع عرّاب الخطّة، وزير القضاء ياريف ليفين، بعد انتهاء التصويت، فقد كان آلاف المحتجّين يواصلون صرختهم لإيقاف «الأبوكاليبس» الذي سيقود إسرائيل إلى «الهاوية». مع ذلك، لم تشفع الصرخات ولا حتى التحذيرات الأمنية أو اللقاءات الماراثونية التي عقدها الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، مع قادة المعارضة والائتلاف لوقف «المجزرة القانونية». وفي أول تعليق لزعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، بعد تمرير القانون بالقراءة الثالثة والأخيرة، أكّد «(أننا) لن نستسلم ولن يقرّر المتطرّفون شكل الدولة»، معلناً أن «المعارضة ستقدّم استئنافاً للمحكمة العليا (اليوم) ضدّ قانون إلغاء ذريعة عدم المعقولية»، ما يعني دفع إسرائيل نحو أزمة دستورية لم تعهدها من قَبل. والسبب وراء ذلك يكمن في احتمالية إقدام المحكمة العليا على إلغاء القانون الذي يندرج كبند في «قانون أساس: القضاء»؛ إذ بحسب ما قاله الخبير في القانون الدستوري والإداري، أريئيل باندور، في حديث سابق إلى «القناة 12» الإسرائيلية، فإن «إلغاء ذريعة عدم المعقولية هو بند جديد في قانون الأساس، وليس قانوناً عادياً، وبالنسبة إلى المحكمة العليا هناك قيود على سلطة الكنيست لسنّ قانون أساس يرتبط بقضايا لا يمكن إدراجها في الدستور (المستقبلي)، خصوصاً أن هذا الأخير يجب أن يجسّد المبادئ والقيم المستمدّة من وثيقة الاستقلال كوثيقة ذات مكانة دستورية».
من جهته، حاول نتنياهو التخفيف من هول «الكارثة»، معلناً في تصريحات أدلى بها مساءً «(أننا) سنواصل السعي من أجل المفاوضات والتوصل إلى اتفاقات... نحن لا نتنازل عن فرصة تحقيق اتفاق واسع، وأقول لكم إن ذلك ممكن»، مدّعياً أن ائتلافه «سيتواصل مع المعارضة خلال الأيام القريبة بغية إجراء حوار يفضي إلى اتفاق شامل حول كل شيء»، زاعماً في الوقت نفسه أنه «لن يسيطر أي طرف على المحكمة العليا. وهذا لن يحدث خلال ولاية الحكومة الحالية». وكان اعتبر وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، أن مصادقة «الكنيست» على القانون نهائياً، جعلت إسرائيل «أكثر ديموقراطية ويهودية»، مضيفاً: «أنا سعيد لتمكّننا من اجتياز الخطوة الأولى (في خطة الانقلاب القضائي)». وتابع موجّهاً كلامه إلى المحتجّين: «أقول لليسار والمحتجّين... أنتم إخواننا ونحبّكم، لكن مهمّتنا هي الحُكم، وتنفيذ سياسة يمينية كاملة. اليوم ستدركون الفرق بين هذه الحكومة والحكومات السابقة، وبعون الله، هذه ليست إلّا البداية».
اعتبر إيتمار بن غفير أن مصادقة «الكنيست» على القانون نهائياً، جعلت إسرائيل «أكثر ديموقراطية ويهودية»


أمّا الحركة الاحتجاجية التي تقود التظاهرات، فأعلنت أنها ستواصل الاحتجاج حتى النهاية «ضدّ حكومة الخراب التي صوّتت لسحق إسرائيل». وفي بيانٍ أصدرته «قوة كابلان» التي تقود التظاهرات المركزية في تل أبيب، أكّدت أنها عازمة على «التصعيد والقتال كما لم نحارب من قبل... لقد بدأنا للتوّ». وفي موازاة ذلك، كشف رئيس «اتحاد النقابات العماليّة الإسرائيلية» (الهستدروت)، أرنون بن دافيد، أنه سيجتمع إلى مسؤولين نقابيين لمناقشة إعلان الإضراب العام، بعدما أقرّ «الكنيست» القانون، ما يعني أن إسرائيل قد تشهد تعطيلاً كاملاً للاقتصاد. وأتى إعلان بن دافيد، بعدما حاول في وقتٍ سابق، أمس، التوسّط بين المعارضة والائتلاف للتوصّل إلى تسوية قبل طرْح القانون على التصويت، غير أن جهوده باءت بالفشل، بسبب ما وصفه بـ«الأهواء السياسية» التي غلبت على «الخلافات البسيطة». وعلى إثر فشله، حذّر رئيس «الهستدروت» من أن عواقب وخيمة ستكون نتيجة أيّ تقدّم أحادي الجانب، قائلاً: «إما أن تمضي الأمور إلى الأمام مع وجود اتفاق واسع، أو أنها لن تتقدّم على الإطلاق». وفي سياق متصل، أعلنت نقابة الأطباء المتخصصين، أن 73% من الأطباء هؤلاء يؤيدون الاحتجاجات ضدّ الخطة، واتخاذ إجراءات واسعة لإسقاطها. وفي ضوء ذلك، دعت جميع الأطباء المنضوين في إطارها إلى «عقد اجتماعات طارئة غداً في جميع أنحاء البلاد، والتحوّل إلى العمل بحالة الطوارئ (العمليات العاجلة)». كما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر في النقابة قولها إن «الأخيرة ستعلن الإضراب اليوم».
وشهدت إسرائيل، أمس، اجتماعات مكثّفة بين مسؤولين أمنيين وسياسيين من الائتلاف والمعارضة على حدٍّ سواء، في محاولة لاستخدام «العجل المقدّس» مخرجاً للأزمة التي قسّمت المجتمع على نحو غير مسبوق، مطاولةً في آثارها وانعكاساتها الأمن والجيش والاقتصاد. وفي هذا الإطار، كشفت «إذاعة الجيش» أن كبار المسؤولين في الجيش اجتمعوا إلى أعضاء في المجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت)، في محاولة لإقناعهم بضرورة التوصّل إلى تسوية مع المعارضة، والموافقة على تليين صيغة القانون قبيل التصويت عليه، وذلك من طريق استعراض «الوضع الأمني وجهوزية الجيش والعدد الحقيقي للرافضين للخدمة، والتهديدات الناجمة عن اتّساع رقعة الرفض أو الامتثال لأوامر الاستدعاءات العسكرية». وشارك في الاجتماع، قائد شعبة العمليات، عوديد بسيوك، وقائد شعبة الاستخبارات العسكرية («أمان»)، أهارون حاليفا، حيث قدّما إحاطة حول الوضع داخل الجيش في ظلّ الانقسامات الحادّة الحاصلة، و«وباء» رفض الخدمة الذي ما فتئ يفتك بقوات الاحتياط، ولا سيما في سلاح الجو. وفي السياق نفسه، كشف موقع «واينت» أن وزير الأمن، يوآف غالانت، قال في محادثات مغلقة، إنه «لا يوجد خطر على الديموقراطيّة... لا مجال للرفض (الخدمة في الجيش)»، معتبراً أن «حملة الرفض خطيرة للغاية، لكونها قد تلحِق ضرراً خطيراً بالجيش والمجتمع الإسرائيليين». ورأى أن دعوات الجنرالات السابقين وتأييدهم لرفض الخدمة «أمر خطير للغاية»، مضيفاً أنه «في الوقت الحالي نطمئن الجنود... أعلم أن التهديدات حقيقية ولكنني أدعوهم إلى عدم الإقدام عليها؛ إذ لا يمكننا الاستغناء عنهم»، واعداً بـ«(أنني) لن أترك الديموقراطية تُمس أو تتضرر». وتقاطعت مخاوف غالانت مع تحذير رئيس الأركان، هرتسي هليفي، بعيد لقاء جمعه بنتنياهو مساء أمس؛ إذ حذّر الأوّل من أن الحديث ضد جنود الجيش «يضر بكفاءة الأخير ولُحمته».
بالنتيجة، ما حصل أمس لخّصه كاتب عمود الرأي في موقع «واينت»، ناداف أيال، بالقول إن «في إمكان المؤرّخين أن يوثّقوا كيف شاهد شعب إسرائيل أعضاء الائتلاف المتطرّف، بالبثّ الحيّ والمباشر، يقفزون بإسرائيل نحو الهاوية السحيقة، عندما خطفوا رئيس الوزراء الخائف»؛ إذ كان هذا الأخير، بحسبه، «ينظر يميناً ويساراً، مرّة إلى غالانت، ومرّة إلى ليفين، قبل أن يُمسك أعضاء الائتلاف بأيدي بعضهم ويقفزوا (بإسرائيل) نحو الهاوية».