كانت حياة شِنيد أوكونور (1966 ــــ 2023) وظهوراتها الإعلامية وجرأتها في طرح آرائها محط اهتمام بقدر ما كان صوتها الشهير وأغنياتها الجميلة. أول ما يخطر في البال لدى ذكر اسمها هو شعرها المحلوق وأغنية Nothing compares to you. لكن مسيرتها الفنية والمهنية والشخصية كانت أكثر من ذلك. وسط إعدادها للعودة بألبوم جديد، عُثر عليها فاقدة للحياة في شقتها اللندنية قبل أيام عن عمر 56 عاماً بعدما عانت الكثير من الأزمات النفسية في السنوات الأخيرة. مهما كانت المشاعر التي أثارتها في النفوس، سلبيةً أم إيجابيةً، يصعب أن يتجاهلها المرء أو أن تتركه لا مبالياً. مواقفها الراديكالية أحياناً دفاعاً عن أفكار كانت تؤمن بصدق فيها كانت دائماً محور اهتمام تماماً كما كان صوتها الذي يعتبره بعضهم من أكثر الأصوات الإيرلندية جمالاً وتعبيراً في جيلها وفي عالم البوب. وكانت داعمة للكثير من القضايا التي تتعلق بسوء معاملة الأطفال وحقوق الإنسان.


علاقتها بالدين مرّت بمراحل مختلفة بحسب ما كانت تعيشه في حياتها. حتى إنها أصبحت كاهناً تابعة لطائفة غير معترف بها لدى الكنيسة الكاثوليكية في نهاية تسعينيات القرن المنصرم. بدّلت اسمها مرّتين. في عام 2017 أصبحت تُعرف بماغدا دافيت رغبةً منها في التحرر من الاسم الذي منحه إياها والدها وشهرة الأخير. ثم اعتنقت الديانة الإسلامية بعد مرور عام وبات اسمها شهداء صدقات مع أنها لم تلغ تماماً التداول باسمها الأصلي. وثّقت ذكرياتها في كتاب أصدرته عام 2021 تحوّل «بيست سيلر» وباحت فيه بالمراحل القاسية التي عاشتها في حياتها وأدّت إلى ما هي عليه.
طوال مسيرتها، أصدرت عشرة ألبومات كان أولها The Lion and the Cobra (1987) جعل العالم يتعرّف إلى الإيرلندية العشرينية التي كانت تشق طريقها نحو النجاح العالمي. وبالطبع كان ألبومها الثاني I Do Not Want What I Haven’t Got الذي تبعه بعد ثلاث سنوات أكثر انتشاراً ومبيعاً، وخصوصاً أنّه ضمّ أغنيتها الشهيرة Nothing compares to You وهي استعادة لأغنية ألّفها المغني الأميركي برِنس في الأصل. تأخذ هذه الأغنية معنى آخر عندما نفهم دلالتها في حياة أوكونور التي تبكي في المقطع الأخير منها لأنه ـــــ بحسب ما أوضحت ذات مرة ـــــ يذكّرها بوالدتها العنيفة والمضطربة التي كانت توفيت قبل سنوات في حادث سير. برِنس نفسه لم يعط الأغنية أهمية عندما أصدرها، وعلى الأرجح لم تكن لتحقق هذا النجاح وتكون مؤثرة في أذهان الناس لو لم تؤدِّها أوكونور التي اعتبرت أنها أغنيتها الخاصة. ألبومها السادس Sean Nos Nua (2002) ضمّ 13 أغنية من الفولكلور الإيرلندي استعادتها بتوزيع جديد سهّل سماعه وهو مشروع رغبت في تحقيقه منذ انطلاقتها. هنا أظهرت قدراتها الغنائية بعيداً من النجاحات العالمية وشهرة غناء البوب. استعادة أخرى أسهمت أوكونر في انتشارها هي أغنية Tears From the Moon التي تشارك فيها غناءً مع الفرقة الكندية الإلكترونية «كونجور وان» والتي كانت في الأصل أغنية من ألبوم فرقة بلجيكية هي «لوناسكايب». من أغنياتها المعروفة والناجحة كذلك You Made me the Thief of Your Heart التي أُلفت لفيلم «باسم الأب» جاءت لتؤكد على موهبة وخصوصية أوكونور الموسيقية من بعد Nothing Compares to You. ولم تكن الأغنية الوحيدة التي أدّتها لفيلم سينمائي، فكانت أيضاً لها مشاركة لافتة في موسيقى فيلم «ألبرت نوبس» عام 2011 حيث أدّت أغنية Lay Your Head Down من تأليف براين بيرن وكتابة الممثلة غلين كلوز التي اضطلعت بدور الشخصية الرئيسية في الفيلم. كانت تعمل على آخر أغنية من ألبوم جديد بعنوان No Veteran Dies Alone وهو الأول منذ 8 سنوات. في آخر ظهور لها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت شنيد أوكونور بعيدة عن صورة الفنانة المضطربة والمعتزلة، إذ بدت متحمّسة حيال المنزل الذي انتقلت إليه في لندن وتحدثت عن استعادة نشاطها التأليفي على آلة غيتار معلّقة على الجدار.
انتحار ابنها شاين عن عمر 17 عاماً قبل سنة ونصف السنة، أثّر بشكل مأساوي عليها، وخصوصاً أنّه كان الأصغر والمفضّل لديها. سعت طوال حياتها لأن تكون أماً صالحة لأولادها الأربعة الذين رُزقت كل واحد منهم من رجل مختلف، علماً أنّها تزوجت أربع مرات. وذلك يعود إلى رغبتها في التعويض عن التعذيب التي عانته مع والدتها القاسية التي مكثت هي وأشقاؤها معها بعد رحيل والدها عن المنزل. لم تتردد في الحديث عن سوء المعاملة التي كانت ضحيته من قبل أمها مراراً في السنوات اللاحقة. إلى جانب التعذيب الجسدي، كانت مجبرة على السرقة من المتاجر ومن مال صناديق كان من المفترض أن تكون هِبات. كان لذلك آثاره الواضحة على الفنانة التي حملت داخلها طوال العقود الخمسة التي عاشتها، حقداً كبيراً وغضباً كانت تفجّرهما في مواقفها وخياراتها. حاولت الانتحار ودخلت مراراً المركز الطبي للعلاج من الاضطرابات النفسية. ولكن انتحار ابنها كانت ضربة قاضية على الرغم من استعادتها نشاطاتها التأليفية والموسيقية.
أثارت فضيحة كبرى اعتراضاً على سكوت الكنيسة عن التحرش الجنسي بالأولاد


جرأتها وردود فعلها العفوية وغير المحسوبة كانت لها أثر سلبي على انتشار موسيقاها لاحقاً بالقدر التي تستحقه. من لا يذكر إطلالتها الشهيرة عام 1992 عبر التلفزيون حين مزّقت صورة البابا بولس الثاني خلال مشاركتها في برنامج «ساترداي نايت لايف» وأثارت فضيحة كبرى آنذاك اعتراضاً على سكوت الكنيسة الكاثوليكية عن قضية التحرش الجنسي بالأولاد؟ يرى بعضهم أنّها في تلك اللحظة قضت على مسيرتها، إذ إنها جوبهت بالكثير من الانتقادات جاء بعضها من فنانين في المجال نفسه مثل مادونا وفرانك سيناترا. في إحدى المقابلات، علّقت على الموضوع لاحقاً: «لست آسفة لأنني فعلت ذلك. كان فكرة رائعة. ولكنني مررت بمرحلة صعبة وصادمة. فكان التعامل معي على أنّني مجنونة».
وحتى قبل ظهورها في البرنامج، كانت مواقفها صادمة. رفضت حضور احتفال «غرامي» ذات مرة اعتراضاً على التهميش الأميركي لمغنّي الراب مع أنّها كانت مرشحة. كما اعترضت على بث النشيد الوطني الأميركي قبل أحد عروضها في الولايات المتحدة لأنها اعتبرت أن تلك الأناشيد ليس لها علاقة بالموسيقى عموماً.
لم تكن الشهرة أو نيل الكثير من المعجبين يوماً من أهدافها. لذلك كانت صادقة جداً في خياراتها وفي طريقة أدائها. في كتاب مذكراتها تقول: «لست نجمة بوب. أنا فقط إنسانة مضطربة تحتاج للصراخ في الميكروفون من وقت إلى آخر... أن أكون نجمة بوب يعني بالنسبة إلي أن أكون في نوع من السجن». كلما طُلب منها التقيّد بالمعايير وبصورة نموذجية لنجمات البوب في ذلك الوقت، ابتعدت أكثر وفعلت ما يشعرها بالراحة وبالثقة كفنانة، وخصوصاً في ما يتعلّق بشكلها الخارجي وشعرها التي لم توافق يوماً على جعله ينمو نزولاً عند طلب المنتجين. كما لم تتردد في إنجاب أولادها الأربعة على الرغم من تحذير تلقّته حول استحالة التقاء الأمومة والمسيرة الفنية.