«لقد تمّ التخلّص من الشخص، ليس الفكرة». جملة يتناولها روّاد التواصل الاجتماعي عند وصفهم نادي تشيلسي تحت إمرة ملّاكه الجدد. فبعد تنحّي المالك السابق، الروسي رومان أبراموفيتش عن الإمبراطورية التي بناها عام 2003، تأمّلت جماهير الفرق المنافسة بانتهاء الحلم المزعج وتقليص البذخ في أسواق الانتقالات تحت ولاية الإدارة الجديدة، لكنها لم تكن على دراية بأن المقبل هو كابوس حقيقي. فما صرفه الملّاك الجدد في أقل من عام لامسَ نفقات أبراموفيتش خلال العقد الأخير.هو سوق الانتقالات الثالث الذي يخوض غماره تشيلسي بقيادة الأميركيين تود بولي وبهداد إغبالي. عام 2023، حطم تشيلسي الرقم القياسي لرسوم الانتقالات في بريطانيا مرتين، حيث استولى على إنزو فرنانديز مقابل 106 ملايين جنيه استرليني في كانون الثاني، قبل سبعة أشهر من دفع 115 مليون جنيه استرليني لاستقدام مويسيس كايسيدو من برايتون.
وبعد التوقيع مع متوسط الميدان البلجيكي روميو لافيا مقابل 53 مليون جنيه استرليني، تخطى إجمالي التزامات تشيلسي على رسوم نقل اللاعبين مبلغ الـ 900 مليون جنيه استرليني منذ تولّي الملّاك الأميركيون السيطرة في حزيران 2022.
مبالغ فلكية جعلت عدداً من الأندية المنافسة تشكو إلى الدوري الإنكليزي الممتاز بأن إنفاق تشيلسي الغزير قد لا يكون متوافقاً مع لوائح اللعب المالي النظيف (FFP) الخاصة بالاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA). تجدر الإشارة إلى أنه تم وضع تشيلسي في أيلول الماضي على قائمة مراقبة «FFP» من قبل يويفا نظراً إلى حجم خسائر النادي. مع ذلك، يعتقد القيّمون على «البلوز» امتلاكهم استراتيجية قادرة على إبقاء الفريق على الجانب الصحيح من الضوابط المالية.
أولى الخطوات تمثّلت بعقود اللاعبين الطويلة الأجل (مدتها سبع أو ثماني سنوات بدلاً من الصفقات التقليدية لمدة أربع أو خمس سنوات)، وذلك لاستغلال الحدود القانونية «للإطفاء» عبر توزيع المصاريف على عدد سنوات أكبر، وبالتالي، تقليص مبالغ الدفع السنوية، ما يسمح بصرف مبالغ أكثر خلال الموسم.
إجراء اعتبره العديد من النقاد بمثابة الالتفاف على القانون، رغم شرعيته، ما دفع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إلى وضع قانون جديد بمنع إطفاء رسوم النقل إلا على مدى خمس سنوات كحد أقصى، بغض النظر عن مدة العقد وذلك اعتباراً من هذا الصيف. الهدف من ذلك هو منع «سير» أندية أخرى على خطى تشيلسي، وخاصةً إذا كانت هذه الأندية لا تمتلك موارد مالية متينة ما يجعلها عرضة للخسائر والإفلاس في حال عدم التمكن من إطفاء الخسائر. ومع ذلك، فإن احتلال تشيلسي المركز الثاني عشر في الدوري خلال الموسم الماضي يعني أنه لا يتعيّن على الفريق الالتزام بلوائح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم هذا «الميركاتو»، لأنه ببساطة لم يتأهل إلى أي مسابقة أوروبية.
تخطى إجمالي التزامات تشيلسي على رسوم نقل اللاعبين 900 مليون جنيه منذ حزيران 2022


الخطوة الثانية تمثّلت ببيع اللاعبين غير المرغوب فيهم من قبل مدرب الفريق ماوريسيو بوكيتينو، ما يجعل الأموال المتدفقة بمثابة تمويل للاعبين المستقدمين الجدد. حقّق تشيلسي أكثر من 250 مليون جنيه استرليني من مبيعات اللاعبين في فترات الانتقالات الثلاثة الماضية، جاء مبلغ 200 مليون جنيه استرليني منها هذا الصيف بشكل أساسي من خلال مغادرة كاي هافرتز إلى آرسنال ومايسن ماونت إلى مانشستر يونايتد، بالإضافة إلى لاعبين آخرين غادروا أسوار ملعب ستامفورد بريدج.
رقمٌ قد لا يتوافق مع حجم الإنفاق، لكنه يساهم بالتأكيد في توازن الدفاتر المحاسبية للنادي، وخاصةً أن غالبية اللاعبين الذين غادروا في هذه النافذة إما وجدوا في النادي لفترة طويلة بما يكفي ليكون لديهم قيم محاسبية متبقية صغيرة نسبياً، أو من خرّيجي أكاديمية النادي ما يجعل بيعهم ربحاً خالصاً.
الخطوة الثالثة والأكثر أهمية تمثّلت بتقليص فاتورة أجور اللاعبين. مع أبراموفيتش، كانت الأجور الأساسية أعلى بكثير من معدل السوق. اختلف الأمر مع تود بولي وشركاؤه، إذ تخلّص الفريق من اللاعبين أصحاب الأجور الباهظة ووقّعوا مع لاعبين شباب بأجور مقبولة، ما وفّر عشرات الملايين في التزامات الرواتب السنوية.
هكذا، حوّل الملّاك الجدد نادي تشيلسي إلى فريق شاب يمتلك مواهب واعدة ذات أجور منخفضة، مقابل التزام الإدارة بسداد مبالغ الصفقات على سنوات طويلة الأجل.
يبدو المشروع مبشّراً على الورق، لكنه لا يخلو من المخاطر. اللاعبون يفتقدون الخبرة اللازمة للمنافسة، ظهر ذلك جلياً من خلال حصد نقطة واحدة من أول مباراتين في الدوري. لذا، سيشكّل بلوغ أحد المراكز المؤهلة إلى دوري أبطال أوروبا على أقل تقدير نجاحاً ملموساً للفريق، على أن يكون الحكم الحقيقي بدءاً من الموسم المقبل.