بغداد | في 25 أيلول 2017، قادت حكومة رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، حملة عسكرية واسعة سمتها «عمليات فرض القانون»، أبعدت من خلالها قوات «البيشمركة» وبعض الأحزاب الكردية ومن بينها «الديموقراطي الكردستاني» من محافظة كركوك، وفرضت كامل سلطتها عليها. وأمر العبادي، آنذاك، برفع العلم العراقي على مبنى محافظة كركوك، بعد سيطرة قواته عليه وعلى العديد من مقرات المؤسسات المحلية المهمة، وذلك رداً على استفتاء الانفصال الذي كانت تروج له حكومة الإقليم. غير أنه في عام 2021، وباتفاق مع رئيس الحكومة السابق، مصطفى الكاظمي، تمت إعادة بعض من تلك المقرات، ضمن شروط محددة مع الإقليم، في خطوة سبقت إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في تشرين الأول 2021.وتتألف محافظة كركوك من ثلاث قوميات رئيسة: التركمان والعرب والأكراد، وتضاف إليها أقلية مسيحية. وتتهم أطراف تركمانية وعربية، الأحزاب الكردية، بتنفيذ برنامج لـ«تكريد» المحافظة، يشمل إدخال مئات العوائل وتوطينها حول حقول النفط، بذريعة إعادة القرى التي هجّرها النظام السابق، ضمن برنامج «التعريب» الذي كان ينتهجه. ويوم الجمعة الماضي، كشف رئيس «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، مسعود بارزاني، عن عودة قريبة للحزب إلى محافظة كركوك المتنازع عليها إدارياً مع بغداد، ونيّته فتح جميع مقراته هناك، مؤكداً وجود اتفاقات مع الحكومة الاتحادية في هذا الاتجاه. إلا أن حكومة بغداد لم تردّ على بيان الحزب، فيما أكدت أوساط نيابية كردية وعربية وجود اتفاقات بين بغداد وأربيل لتصفير المشكلات المتعلقة بكركوك.
وعلى إثر بيان بارزاني، أغلق العشرات من العرب والتركمان الطريق الرئيس الذي يربط كركوك بأربيل، احتجاجاً على تسليم مقر العمليات المشتركة في كركوك للحزب، بعد ست سنوات من إخلائه. وبالتوازي مع ذلك، دعا بيان مشرك صادر عن قائمة «التحالف العربي» وقائمة «جبهة تركمان العراق الموحد»، القائد العام للقوات المسلحة، محمد شياع السوداني، إلى التراجع عن القرار، وتحويل الأمر إلى المحاكم المختصة لحله حسب القانون، محذراً من أن «توقيت هذا الإجراء مع قرب انتخابات مجالس المحافظات سيؤدي إلى الإضرار بالسلم الأهلي في محافظة كركوك».
وفي المقابل، اعتبر مكتب المحافظ، راكان الجبوري، أمر الإخلاء قراراً اتحادياً لا شأن للحكومة المحلية به، بينما اتهم "الديموقراطي الكردستاني"، المعترضين بأن دوافعهم سياسية، معتبراً أنهم «يمهدون لتبرير هزيمتهم في الانتخابات المحلية» التي ستجرى نهاية العام الجاري.
وفي السياق نفسه، يقول عضو الحزب الديموقراطي، هيثم المياحي، لـ«الأخبار»، إن «الحزب الديموقراطي لم يغادر كركوك روحياً وعقلياً، وهي من المحافظات المهمة لنا». ويشير إلى أن «العودة تأتي بسبب الانتخابات واستحقاقات المكون الكردي الموجود في المحافظة، إذ يجب أن يشارك هؤلاء في التصويت سواء للديموقراطي أو للاتحاد الوطني أو غيرهما من الأحزاب الأخرى». وفي شأن المعترضين على العودة، يرى المياحي أن «احتجاجاتهم تدخل ضمن حقوقهم الديموقراطية، لكن يجب أن يفكّروا بمستقبل كركوك والعراق بشكل عام، لأن هذه الخطوات جاءت بالتوافق مع الحكومة الاتحادية، وهدفها تصفير الأزمات الحاصلة في ما بيننا لا إشعالها».
يرى البعض أن توقيت القرار سيؤدي إلى الإضرار بالسلم الأهلي في كركوك


لكن المتحدث باسم «المجلس العربي»، عزام الحمداني، يرى أن «عودة الديموقراطي تهدّد السلم المجتمعي في كركوك، ونحن نرفض أي خطاب سياسي هدفه التطرف والتحريض بين القوميات التي تعيش في المحافظة». ويلفت الحمداني، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «مقر العمليات المشتركة في كركوك بات من أساسيات حفظ الأمن وفرض القانون في المحافظة، باعتبار أن الجيش العراقي يشغله لغرض حفظ الأمن والاستقرار منذ عام 2017». ويستغرب «قرار استبدال مؤسسة عسكرية بمقر حزبي له ممارسات وأفعال سياسية قد تكون متطرفة، وبالتالي نعتبر هذا القرار غير منطقي».
من جانبه، يقول المتحدث باسم «الجبهة التركمانية العراقية»، محمد سمعان، إن «للمكون التركماني تمثيلاً في الكابينة الوزارية لحكومة محمد شياع السوداني، وأي اتفاق بين حكومتي بغداد والإقليم لا يلزمنا إطلاقاً». ويعتبر سمعان، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «أي اتفاق بين الطرفين من دون الرجوع إلى المكونات الأساسية في المحافظة ومنها التركماني، لا يجدي نفعاً». ويشير إلى أن «كركوك في الوقت الحالي تشهد وضعاً أمنياً وسياسياً مستقراً، وجميع المكونات في المحافظة لا تريد إشعال الفتنة الطائفية والقومية من جديد، لأنها لا تتحمل أي إرباك أو فوضى سياسية، قد تؤثر على إجراء الانتخابات المحلية التي لم تجر فيها منذ أكثر من ثمانية عشر عاماً». ويحذر من أن «إخلاء بناية المقر المذكور من قيادة العمليات المشتركة، التي تمثل هيبة المؤسسة العسكرية العراقية، قد يضع المحافظة في خطر»، داعياً رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة إلى «عدم الاستهانة بالمؤسسة العسكرية وتسليم البناية، وهي ملكية تابعة لوزارة النفط الاتحادية، وتعتبر رمزاً من رموز عمليات فرض القانون في المدينة». ويتابع: «لا نريد العودة إلى المربع الأول، فعندما كانت القوات الكردية ومنها البيشمركة تسيطر على الملف الأمني في المحافظات، كانت هناك اغتيالات لعدد من المسؤولين وقضاة وقادة أمنيين». ويذكّر السوداني بأن «رئيس الوزراء الأسبق، إبراهيم الجعفري، خسر منصبه بسبب إقحام ورقة كركوك في ملفات سياسية غامضة، وأيضاً حيدر العبادي خسر الولاية الثانية بسبب قضية كركوك، لأنها تختلف عن المحافظات الأخرى كونها تمتاز بتنوع مكوناتها. ولذا، ليس من حق أحد التحكم بها لوحده».
بدوره، يعتقد المتحدث باسم كتلة «الصادقون» النيابية، الجناح السياسي لحركة «عصائب أهل الحق»، أنه «لا يوجد أراض متنازع عليها ولا خصومة ولا نزاع، وإنما هذه الخصومات تختلقها جهات سياسية». ويضيف، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «تحالف إدارة الدولة هو تحالف التعبير عن هذه الإرادة، ولكن اليوم الاستئثار بالقرار وعودة الخصومات، سيؤثر على أمن واستقرار كركوك خلال الفترة المقبلة». ويؤكد أنه «ضد سياسة الإقصاء والإبعاد، ولا يمكن لفرد أن يحكم هذه المحافظة، ويجب أن يتشارك الجميع في إدارتها. ولا نؤمن بالسلاح ولا بفرض الإرادات».