رام الله | تُسرّع إسرائيل، قبل 5 أعوام من بلوغ «خريفها» الثمانين، والذي بات يمثّل هاجساً يربض على صدور قادتها، الخطى نحو إقامة «دولة يهودا» في الضفة الغربية المحتلّة، بعدما بات حسم الصراع مع الفلسطينيين بشكل نهائي استراتيجية العمل لدى الحكومة التي يسيطر عليها اليمينان المتطرّف والفاشي. وكانت إسرائيل قد وضعت، مع احتلالها الضفة عام 1967، الحجر الأساس لتلك «الدولة»، عبر إطلاق مشروعها الاستيطاني في أكثر المناطق حيويةً في الضفة والقدس، ومن ثمّ استغلّت «عملية السلام» و«اتفاق أوسلو» من أجل توسيع الاستيطان بشكل غير مسبوق، وتشجيع المستوطنين على الإقامة في المستوطنات، ومصادرة أراضي الفلسطينيين، مستفيدةً من تقسيم الضفة إلى مناطق «أ» و«ب» و«ج»، وضمان سيطرتها الأمنية والإدارية على أكثر من 97% منها مع بدايات «أوسلو». وهكذا، كان «الحلم» بإقامة دولة فلسطينية متواصلة الأطراف، يتآكل يوماً بعد يوم، إلى حدّ أنه بات مستحيلاً نظرياً وواقعياً؛ فما جرى تأسيسه على أرض الواقع، وتشريعه من قوانين وأنظمة ولوائح، حقّق مراده لناحية التغوّل الاستيطاني من شمال الضفة إلى جنوبها، وضمّ الأراضي ذات الملكية الفلسطينية، وإطلاق يد الجيش والمستوطنين في شنّ الهجمات على الفلسطينيين، وصولاً إلى تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي في الضفة.وبما أن إسرائيل أنجزت الكثير من تلك «المهام»، فإن الاختبار القادم بالنسبة إليها، والذي بدأت العمل عليه، هو تغيير الواقع الديموغرافي للمستوطنين في الضفة، وزيادة أعدادهم لمواجهة الفلسطينيين، في ما بات يُعرف بـ«خطّة المليون مستوطن»، والتي يجري العمل على تطبيقها من خلال جملة خطوات، أهمّها تجهيز البنية التحتية التي تخدم المستوطنين. وخطت حكومة بنيامين نتنياهو، بالفعل، خطوة كبيرة صوب ذلك الهدف، بإبرام اتفاق بين وزيرة المواصلات، ميري ريغيف، ورئيس «المجلس الإقليمي الاستيطاني» في شمال الضفة، يوسي داغان، يقضي بتطوير شبكات طرق في الضفة وخاصة في شمالها، على أن يبدأ العمل بالخطّة في صيف 2024. وبحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، فإن «الهدف المعلن للمستوطنين اليوم، هو تجاوز المليون مستوطن في الضفة الغربية، من أجل فرض أمر واقع، والقضاء على أيّ تسوية سياسية مستقبلية، تشمل إخلاء مستوطنات»، وإن «جزءاً من الوسائل لتحقيق ذلك، هو الاستثمار في الموارد والبنى التحتية من أجل تشجيع المستوطنين على الانتقال للعيش في المستوطنات... يريدون القيام بذلك، من خلال زيادة محاور الطرق والشوارع الموصلة إلى المستوطنات وبينها».
والواقع أن إسرائيل لم تتوقّف يوماً، منذ احتلالها الضفة، عن العمل في البنية التحتية التي تخدم المستوطنات، من شقّ الشوارع إلى توفير شبكات المياه والكهرباء والاتصالات، لكن ما سيجري في المرحلة المقبلة سيركّز على بعض الشوارع الاستراتيجية، من مثل توسيع «شارع 505» الواصل بين مفترق مستوطنة «أرئيل» المقامة على أراضي سلفيت، وحتى مفترق مستوطنة «تبوح» (زعترة جنوب نابلس)، بتكلفة تصل إلى 500 مليون شيكل، إضافة إلى توسعة «شارع 5» من مفترق «تبوح» حتى مفترق «بتسلئيل» وشارع الأغوار بتكلفة مليار ونصف مليار شيكل. وداغان، الذي يُعدّ رأس حربة الاستيطان في شمال الضفة، هو من أنجز تلك الخطّة، ودفع بها إلى الحكومة حيث تلقّفتها ريغيف، وأعطت تعليماتها للفرق المهنية بمباشرة تخطيط الشوارع، من أجل البدء بتطويرها، بينما قال داغان إن «الطريق إلى المليون (مستوطن) في شومرون (شمال الضفة) تمرّ عبر البناء، والحفاظ على الأراضي، والأهمّ تطوير البنى التحتية للشوارع... منذ سنوات، أعمل مع الوزيرة ريغيف من أجل التقدّم بهذه القضية الاستراتيجية وتوسيع شارع 5 حتى الأغوار».
تنسجم «خطّة المليون مستوطن» مع خطّة وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش


وتستند خطّة داغان، بحسب «يديعوت أحرونوت»، إلى عدّة محاور أساسية، أهمّها توسيع وتحويل بعض المستوطنات إلى «مدن»، وإقامة مستوطنات جديدة، وإنشاء سكة حديد لقطار يربط المستوطنات بمناطق الشمال والوسط داخل فلسطين المحتلّة عام 1948، بالإضافة إلى توسيع الشوارع، وإقامة مركز طبي ومطار، وبناء مناطق صناعية، وغيرها من الخدمات. وستشمل الخطة، أيضاً، توسيع بعض المستوطنات (إيتمار، تسوفيم، سالعيت، وأفني حيفتس)، إضافة إلى المستوطنات والبؤر الاستيطانية التي يعمل المستوطنون على تطويرها، مثل «حومش» المخطَّط لها أن تضمّ 15 ألف مستوطن، وتلك التي تمّ إخلاؤها في إطار «خطّة فك الارتباط» عام 2005 من مثل «كيديم» و«غانيم». كذلك، تنصّ على تحويل مستوطنة «تعناخ» في شمال الضفة إلى «مدينة» يمكن أن تضمّ مستقبلاً نحو 30 ألف مستوطن، وبناء مدينة «شامير» جنوب غرب الضفة، حيث سيكون احتياطي الأراضي فيها قادراً على استيعاب أكثر من 100 ألف مستوطن. وفي المجمل، تُركّز الخطّة على منطقة شمال الضفة، بدءاً من محافظة نابلس حتى محافظة جنين، وهي تقضي بتوطين مليون مستوطن في المنطقة بحلول عام 2050. ووفقاً لـ«يديعوت أحرونوت»، فإن «المجلس الإقليمي لمستوطنات شمال الضفة» (شومرون) وضع، خلال الـ 18 شهراً الماضية، الخطّة التي يراهن على أن تحظى بدعم وتمويل حكوميَّين، بمشاركة فريق واسع من المهندسين والمعماريين والجغرافيين والمستشارين المحترفين.
يأتي هذا بينما لا يكفّ المستوطنون وقادتهم عن الضغط على الحكومة اليمينية من أجل تنفيذ ما يطالبونها به، وهم نظّموا، الثلاثاء الماضي، احتجاجاً خارج مكتب نتنياهو للمطالبة باتّخاذ إجراءات ضدّ السلطة الفلسطينية وتعزيز الاستيطان وحماية المستوطنين. وقال داغان آنذاك: «أصدقاؤنا في الحكومة، نطلب منكم أن تقلبوا الطاولة. لأنه إذا لم تفعلوا ذلك، فسنكون نحن من يقوم بذلك. وسوف نتظاهر ضدكم». ومنذ تشكيل حكومة نتنياهو اليمينية، يشهد شمال الضفة هجمة شرسة من المستوطنين وقوات الاحتلال، عزّزها إلغاء «قانون فك الارتباط» الذي يعود إلى عام 2005، والقاضي بالانسحاب من 4 مستوطنات قرب جنين، وهو ما يعني السماح للمستوطنين بالعودة إليها، فضلاً عن انتشار الاستيطان الرعوي في شمال الضفة، وبناء العديد من البؤر الاستيطانية الجديدة، علماً أنه يعيش في الضفة حالياً نحو نصف مليون مستوطن في 132 مستوطنة، و146 بؤرة استيطانية، فيما يقيم نحو 230 ألف مستوطن في 14 مستوطنة مقامة على أراضي القدس الشرقية.
وتنسجم «خطّة المليون مستوطن» مع خطّة وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، والتي تهدف، هي الأخرى، إلى الوصول إلى «دولة يهودا» في الضفة الغربية، وتضع أمام الفلسطينيين ثلاثة خيارات: الاعتراف بيهودية إسرائيل والقبول بها والعيش في «الدولة» بدرجة أدنى من اليهود، أو الهجرة إلى خارج فلسطين من دون رجعة، أو القتل لمن لا يقبل واحداً من الخيارَين السابقَين، وهذا ما سيتمّ تطبيقه من خلال فرض «السيادة» الإسرائيلية الكاملة على الضفة. ويُعرف سموتريتش، منذ عام 2017، بأنه صاحب «خطة الحسم» في الضفة، ويُصنَّف كأبرز الداعمين للاستيطان. ولذلك، عمل مع تولّيه منصب وزير المالية ومنصب وزير في وزارة الأمن على تنفيذ أفكاره وخططه، وجعلها جزءاً من السياسة الرسمية لحكومة الاحتلال الحالية، والتي نصّت وثائق تأسيسها على أن «للشعب اليهودي الحق الحصري الذي لا جدال فيه في جميع أجزاء أرض إسرائيل بما فيها الضفة الغربية».