كان من المفترض أن يكون يوم الاثنين المقبل يوم عودة الكرة الآسيوية الى أحضان الملاعب اللبنانية. لكن عن أيّ ملاعب نتحدث؟الملاعب التي استضافت سابقاً مباريات الفرق اللبنانية في مسابقة كأس الاتحاد الاسيوي، ومباريات منتخب لبنان في التصفيات الآسيوية الخاصة بكأس آسيا وكأس العالم، أصبحت كلها مهملة، مدمّرة ومهجورة.
لا ملعب ينطبق عليه وصف «الاستاد» في بيروت أو خارجها، ولا حلول وجدت من أجل إنقاذ الكرة اللبنانية وأنديتها ومنتخباتها، فأقفلت أبواب الملاعب الكبرى وسيضطرّ ممثلو لبنان بالتالي الى تكبّد مصاريف السفر للعب على أراضي خصومهم ومنحهم الأفضلية المعنوية والجماهيرية على طبقٍ من فضة.
هو ما سيحصل تماماً في الجولة الافتتاحية لمباريات المجموعات في كأس الاتحاد الآسيوي يوم الاثنين، إذ إن النجمة الذي كان مفترضاً أن يستضيف الرفاع البحريني على أرضه، سافر الى البحرين لخوض مباراته البيتية على أرض منافسه، ومثله العهد الذي كان منتظراً أن يستقبل النهضة العُماني، لكنه أيضاً سيلعب على أرض الأخير!
جريمةٌ هي فعلاً هو ذاك الإهمال الذي أصاب المرافق الرياضية الأساسية، إذ إن الدولة اللبنانية بالدرجة الأولى هي المسؤولة عما آلت إليه الأمور، وبعدها البلديات، وطبعاً المسؤولين عن الملاعب الذين لم يعملوا على الحفاظ عليها رغم الإمكانات المادية التي خُصّصت لها قبل الأزمة الاقتصادية الرهيبة التي تعيشها البلاد.
والمؤسف أكثر أن محاولات الإنقاذ حتى لم تُفلح وسط غياب التعاون والحسّ الوطني عند البعض، وامتداداً الى «تطنيش» الدولة التي تعتبر أن هناك أولويات أخرى غير الرياضة، وهي التي فشلت وانهارت بسبب السياسات الخاطئة، ومنها ما ارتبط بالقطاعات العامة كافةً ضمنها الملاعب.
الملاعب التي استضافت سابقاً مباريات الفرق اللبنانية والمنتخبات أصبحت كلها مهملة ومدمّرة ومهجورة


محاولات يائسة
لنأخذ مثلاً ملعب صيدا، ذاك الصرح الذي كان بمثابة الواحة الإنقاذية في ظلّ الدمار الذي لحق بملعب بيروت البلدي ومدينة كميل شمعون الرياضية لسببٍ أو لآخر. هذا الملعب كان بمكانه أن يلعب الدور نفسه، لكن للقيّمين عليه رأي مختلف كليّاً.
محاولات مختلفة لإعادة هذا الملعب الذي يحمل اسم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الى الحياة، باءت الفشل، رغم أن التحسينات التي تمّ التخطيط لها كانت ستلتقي مع الشروط التي يفرضها الاتحاد الآسيوي لكرة القدم من أجل السماح لأي نادٍ أو اتحاد باستضافة المباريات القارية.
ففي ظل استحالة اعتماد ملعب مجمع الرئيس فؤاد شهاب الرياضي في جونية لأسبابٍ أمنية ترتبط بقرب المدرجات من أرضية الميدان، وفي ظل صعوبة اعتماد ملعب الرئيس الشهيد رشيد كرامي في طرابلس لسببٍ يرتبط بوضعه العام، ذهب نادي النجمة الى عرض ترميم الملعب وتحسين مرافقه، لكن الخطوة لم تنجح، ليدخل الاتحاد اللبناني والعهد على الخط نفسه، حيث أبدت الأطراف الثلاثة استعدادها لدفع كلفة المشروع التي تصل الى 350 ألف دولار.
كلفةٌ تلحظ: أرضية الملعب، الإنارة ومرافق أخرى داخل الملعب، وقد خلُصت إليها دراسة الاتحاد بعد عملٍ دؤوب، لكنها تعرقلت عند البلدية التي طلبت أولاً تسليم المشروع الى شخصٍ صيداوي، على أن تكون «ورشة» مشروع التطوير وإدارة الملعب لاحقاً مرتبطة بالجهة المسؤولة عنه حالياً، ما يعني أن لا سلطة للمستثمرين في المشروع، إضافةً الى صعوبة في تقبّل منطقياً فكرة دفع المال من دون التعاطي في تفاصيل مشروع استثماري.

ستخسر الفرق والمنتخبات اللبنانية أفضلية الأرض والجمهور في الاستحقاقات الدولية (طلال سلمان)

قوانين بالية
ولسببٍ مشابه سقطت فكرة الاستثمار في مشروع المدينة الرياضية، إذ إن قانون الاستثمار العام يعود الى عام 1926، ولا يعطي للمستثمر الحق في الاستفادة من المشروع إلا لمدة 4 سنوات فقط، ما يعني أنه مشروع خاسر سلفاً، بحيث تشير المعلومات التي أفرزتها الدراسات المتخصّصة الى أن مدة 15 سنة هي المدة الفعلية لتعويض كلفة تحسين الاستاد الوطني ومرافقه.
أما تغيير هذا القانون فهي خطوة تحتاج الى موافقة مجلس الوزراء، وهي مسألة قد تصبح أكثر تعقيداً إذا تغيّرت الحكومة وتغيّرت معها التوجهات، إضافةً الى إمكانية الطعن بأيّ قرارٍ من هذا النوع، ما قد يعرقل أو يجمّد أي مشروع استثمار، وقد ضرب مصدر متابع عن كثب للقضية المثل في ما حصل حول قاعة الرئيس بيار الجميل الخاصة بكرة السلة في المدينة الرياضية بعد ترميمها واعتمادها لمباريات منتخب لبنان.
رئيس نادي النجمة مازن الزعني، الذي نشط على خط الاجتماعات مع كل من يرتبط بالمسألة من أجل حلّها، وعلى رأسهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الشباب والرياضة جورج كلاس، أبدى في حديثٍ الى «الأخبار» أسفه حيال ما آلت إليه الأمور لناحية الهجرة القسرية التي تعانيها كرة القدم اللبنانية، فقال: «ليس لديّ الكثير لأقوله. لقد تكلمنا كثيراً وسعينا أكثر وفاوضنا أكثر بكثير، لكننا اصطدمنا في كل مرّة بشروط معرقلة». وأضاف: «أنا حزين ليس فقط لأن فريقي سيلعب مبارياته البيتية خارج أرضه وسيعطي الأفضلية للفريق الآخر، بل لأننا سنُحرم من جمهورها، ولأننا كلبنانيين وبعدما كنا السبّاقين في كل شيء، أصبحنا اليوم كالمتسوّلين لإيجاد ملعب».
بالفعل أمرٌ محزن، والسبب معروف، وهو الهدر والفساد اللذان قتل أصلاً البلاد والعباد وكل ما يحيط بهم.