«أوّلاً وقبل كل شيء، هل تدين ما فعلته «حماس» بإسرائيل والمدنيين الإسرائيليين هناك؟ هناك قتلى ورهائن». بهذا السؤال، بدأت مذيعة شبكة «سي. أن. أن»، البريطانية ــ الإيرانية، كريستيان أمانبور، لقاءها المباشر مع رئيس البعثة الفلسطينية الدبلوماسية في بريطانيا حسام زملط. بدا السؤال كما يسمّى في الإعلام «مغلقاً»، أي لا يضع أمام المتلقي فرصة إلا للإجابة بنعم. لكنّها ربّما من المرّات القليلة التي يظهر فيها مسؤول سياسي عربي محنّك يعرف كيف يتعامل مع الإعلام الغربي، إذ غيّر زملط قواعد اللعبة وبالتالي الأصل لسؤال رئيسة المراسلين الدوليين في الشبكة الأميركية وبنيته. قال: «أوّلاً وقبل أي شيء، على الإعلام الغربي التخلّي عن الإطار الذي أدّى بنا إلى ما نحن عليه الآن»، لتقاطعه أمانبور بخبث ومهارة: «حسناً، لكنّني أريد معرفة إن كنت تؤيد قتل المدنيين؟». هنا، قرّرت أمانبور توسيع «فخّها»، غير أنّ زملط الذي يفهم اللعبة حاول الإستدارة، فردّ: «خسارة الأرواح أمرٌ سيّء، لقد أشرتِ إلى 70 قتيلاً صهيونياً، ولكن هناك 200 ضحية فلسطينية حتى الآن، وأكثر من 1600 جريح وهناك مجمّعات سكنية كاملة تُمسح عن وجه الأرض، وهذه جريمة حربٍ ارتكبتها إسرائيل، لكن ما هو أكثر مأساوية بالمقدار نفسه هو عمى العالم والمجتمع الدولي وصممهما إزاء ما يحدث». لا تسمع أمانبور شيئاً مما يقوله زملط. تعود للقول: «حماس ليسوا أصدقاءك، أعلم أنّهم لا يؤيّدون السلطة الفلسطينية».
(سارة قائد ــ البحرين)

بدوره، واجه رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، الحيلة الإعلامية الغربية نفسها عبر الشاشة نفسها، عندما سأله المذيع: «أريد فقط التأكّد أنّ المشاهدين يفهمون أنّ السلطة الفلسطينية كانت معارضة لـ«حماس»، وأنت تمثل السلطة الفلسطينية وبالتالي لا ترتبط على أي نحو بحركة «حماس»». يشرح البرغوثي الأمر البديهي المتمثّل بـ «وحشية الصهاينة واحتلالهم فلسطين واستمرار دعم الغرب لهم»، ليسأله المذيع الأميركي: «ما تفعله «حماس» هو أنها تستهدف المدنيين الإسرائيليين والنساء والأطفال والجدّات»، ليأتي ردّ البرغوثي واضحاً: «لا إنّها لا تفعل». لكن المذيع يتعمّد عدم سماع الإجابة، فيُكمل: «أليس هذا إرهاباً كلاسيكياً؟». كما لو أنّ هناك تعريفاً لماهية الإرهاب الكلاسيكي، أو معنى لهذا التعبير أصلاً. لكن ابتكار تعبير من نوع «حماس تمارس إرهاباً كلاسيكياً» يجذب الجمهور الذي يحبّ التعابير البراقة. لا يتوقّف المذيع عند هذا الحدّ، بل يكمل: «إنهم لا يقتلون الحكومة الإسرائيلية بل يقاتلون الناس العاديين». هنا أيضاً يتجنب المحاور فكرة أنّ مَنْ في كيان الاحتلال جميعهم هم إما مجندون حاليون وإمّا مجندو إحتياط، وهو ما يشير إليه البرغوثي حين يقول: «هذه رؤية من جانبٍ واحدٍ للأمر، ولكنها غير صحيحة، أعتقد أن «حماس هاجمت على نحو رئيسي المؤسسات والمنشآت العسكرية، ومعظم الأشخاص الذين اعتقلتهم وأسرتهم هم عسكريون».
ومن جملة المواقف المشابهة التي تعرّض لها حسام زملط على الشاشة الصغيرة في الأيام الماضية، لكن هذه المرّة على «سي أن بي سي» الأميركية، توجّه إليه المذيع ستيف سيدغويك بكل صلافة، قائلاً: «أنا أمنحك الفرصة لانتقاد أعمال إرهابيي «حماس» في الأيام الفائتة، ومهما حدث في السابق... هذه هي اللحظة المناسبة لانتقاد ما فعلته «حماس»، أنا سأعطيك هذه الفرصة الآن». هذا المشهد المقزز والمؤذي والمهين، حدث فعلياً على تلفزيون غربي يدّعي المهنية والاحترافية. كلّها تعابير مغلقة لإجابة منتظرة محدّدة. يحاول زملط الإشارة إلى أنّ هذه فرصة للحديث عن المشكلة الحقيقية، لكن المذيع يأبى ذلك، مؤكداً: «أنا أعطيك الفرصة مجدداً لانتقاد أعمال حماس... أنت تقول إنّ هذا ليس الوقت المناسب للانتقام (يقصد الانتقام الإسرائيلي من غزة)، هناك المئات من القتلى الإسرائيليين، الآلاف في المستشفيات في الساعات الـ 48 الفائتة ومئات المخطوفين... أنا أعطيك الفرصة لانتقاد أعمال حماس». فيأتي ردّ زملط كالتالي: «أنت لا تعطيني أي فرصة، ويبدو أنّه لديك قائمة محدّدة مسبقاً من الأسئلة». لكن المحاور لا يستسلم، ويؤكّد لحسام أنّه «استمعت إليك جيداً، لكنني أعطيك وللمرة الثالثة الفرصة لانتقاد الأعمال الإرهابية على مدى الساعات الأخيرة». إلى هذا الحد كان الإعلام الغربي (ولا يزال) مسعوراً وموتوراً.
واجه رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، الحيلة الإعلامية الغربية نفسها


جولة سريعة على القنوات التلفزيونية الغربية، توضح أنّها تسير على الدرب نفسه كأنّها تنسّق في ما بينها، في ظلّ مناخ عام يشي بتعميم أجواء شبيهة بتلك التي سادت في أعقاب 11 أيلول (سبتمبر) 2001. تسأل مذيعة «سكاي نيوز» البريطانية، سارة ــ جين مي، ضيفتها الممثلة والكاتبة الفلسطينية ــ البريطانية سارة الآغا عمّا «تتعرّض له الجالية اليهودية في بريطانيا من هجوم وتعديات وتحريض ضد السامية في هذه الأيام». سؤال مغلق آخر توجّهه إحدى مذيعات «بي بي سي» البريطانية إلى الباحث والأكاديمي الغزّي رأفت العرير حينما أشار إلى أنّ «الإعلام الغربي يغسل جرائم الاحتلال الصهيوني»، بعد عدم تعليق محاورته على كلام الوزير الصهيوني نفتالي بينيت، الذي قال إنّه ليس هناك في غزّة مدارس أو مستشفيات وإنّها كلّها أهداف محتملة لجيش الاحتلال. وتابع العرير أنّه «أشار مجرم الحرب هذا إلى رغبته في قصف المدارس والمنازل والمستشفيات، ولم تعلّقي بحرفٍ واحد اعتراضاً على ذلك». فأجابت المذيعة: «هو أشار إلى أنّه سيفعل ذلك في حال وجود مسلحي «حماس» في تلك الأبنية، وهذا للتوضيح». قالت هذه الكلمات بوجهٍ جامد وخالٍ من المشاعر، في سياق «الاحترافية» الكاذبة التي تتفاخر «هيئة الإذاعة البريطانية» بانتهاجها، لتعود وتسأله بعد حديثه دقائق طويلة عن الظلم الذي يتعرّض له الفلسطينيون جراء الوحشية الصهيونية والغربية: «من أين تعتقد قد أتت الصواريخ الـ 5000 التي أُطلقت؟». يفسّر هذا السؤال رؤية الغرب لكيفية التعامل مع الرواية العربية للحكاية: يأتي سؤال من هذا النوع ليقول للمشاهد إنّ هذا الرجل يكذب عليكم!
في الإطار عينه، وإنّما على جانبٍ آخر، يبدو «انحياز» هذا الإعلام شديد الوضوح في مقابلة أجراها مذيع «سكاي نيوز» المعروف، مارك أوستن، مع وزير الاقتصاد الصهيوني نير بركات، الذي استهلّ حديثه بأنّ جيش الاحتلال «عقائدي»، ليعود ويؤكد أنّه «سنبيدهم جميعاً»، في إشارة إلى أهل غزّة الذين صبّ عليهم اللائمة إذ قال: «إذا كنت تغطي الإرهابيين، فأنت تعرض نفسك للخطر». استمع أوستن إلى هذا الخطاب، لم يقاطع، ولم يسأل، مكتفياً بنظرات التعاطف ومجموعة من الأسئلة عن «الأبرياء الإسرائيليين المخطوفين أو القتلى أو الجرحى».

صفحة حسام زملط وعليها مقابلاته

مقابلة مصطفى البرغوثي:


مقابلة العرير:


مقابلة سارة الأغا:



مقابلة نير بركات مع مارك اوستن: