عمّان | في جنوب الأردن، وفي منطقة وادي عربة بالذات، ثمّة معبر حدودي يُسمح للإسرائيليين والأجانب فقط بالمرور عبره بحرية للتمتّع بأجواء «المثلّث الذهبي» السياحي (وادي رم والبتراء والعقبة). عند تلك البوابة، تمّ التوقيع، في مثل هذا اليوم، قبل 29 عاماً، على «معاهدة السلام» الأردنية - الإسرائيلية (وادي عربة)، والتي ينصّ بندها الحادي عشر على «التفاهم المتبادل وعلاقات حسن الجوار»، في ما عنى عزل الأردن نفسه عن القضية الفلسطينية، فيما تحلّ الذكرى «المخجلة» الآن بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لتكتسب دلالات «عزل» إضافية.
«حماس» - عمّان: طريق مهجور
باستثناء الخطاب الدبلوماسي الذي يركّز على «الشرعية الدولية»، ومبادرات جمع التبرّعات، وانتقاد أفعال إسرائيل بعد إدانة «قتل المدنيين من الجانبين»، ليس ثمّة الكثير في جعبة عمّان، التي يبدو أنها أخطأت بعدم مدّ الجسور مع حركة «حماس»، عندما أتيحت لها الفرصة في معركة «سيف القدس» قبل عامين. حينها، كان مستوى التواصل رفيعاً، ومن بين نماذجه اتصال مطوّل بين مدير المخابرات الأردنية، أحمد حسني حاتوقاي، ورئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، سُمح على إثرها لرموز الحركة بالتواجد في الأردن تحت غطاء اجتماعي بحت، ومن خلف «الحركة الإسلامية» التي يعلو الهتاف، في مهرجاناتها الجماهيرية، لمحمد الضيف. مع ذلك، وعلى الرغم من انعزال عمّان عن «حماس»، وربّما اكتفائها بعلاقة معها عبر الدوحة، إلا أنه لغاية اللحظة لم تخرج إدانة صريحة للحركة على خلفية أحداث 7 تشرين الأول، سواء كان المتحدث الملك عبدالله الثاني، أو وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء أيمن الصفدي، أو حتى الملكة رانيا (الفلسطينية الأصل) التي حاولت الإعلامية الأميركية، كريستيان أمانبور، التحايل لنزع إدانة منها.

احتجاجات برعاية الدولة
صحيح أن الاحتجاجات على العدوان على غزة عمّت المدن الأردنية، إلا أن أجهزة الدولة كانت استبقتها بالتصريح بها وتحديد أماكنها، ولا سيما في محيط السفارة الإسرائيلية، حيث حُدّد الموقع بالباحة الخارجية البعيدة نسبياً عن مقرّ السفارة، والتي كانت أُفرغت من الموظفين مع تفجّر الأوضاع في غزة. كما لم يُسجَّل تحرك واضح للكتلة الفلسطينية في الأردن، والتي تضمّ أكثر من 2.2 مليون لاجئ مسجّل، إذ بقي ضغطها محدوداً عبر مسيرات «تحت السيطرة». أمّا «الفيتو» الأردني التامّ فكان على الزحف إلى الحدود، والذي وصف وزير الداخلية، مازن الفراية، الدعوة إليه بأنها «غير واعية»، معلّلاً ذلك بـ«كون الموقع منطقة عمليات وكمائن»، على حدّ قوله. وتَرافق هذا المنع مع حملة اعتقالات طاولت 400 شخص، أُفرج عنهم تباعاً فيما لا معلومات دقيقة ما إن كان بقي بعضهم قيد الاعتقال. كذلك، قطعت أجهزة الأمن الطريق على أيّ اعتصام أو تحرك تجاه السفارة الأميركية، إذ دفعت بتعزيزات أمنية مكثّفة، بعد أن سمحت باعتصام واحد هناك في بداية الأحداث، وذلك على الرغم من عدم الاستجابة الأميركية للمطالب الإنسانية التي طرحها الملك.
وفي المقابل، دعا «ائتلاف العشائر الأردنية»، الملك عبدالله والحكومة، بعد نحو 10 أيام على اندلاع الحرب وظهور مخطّط التهجير، إلى اتّخاذ مواقف واضحة بإدانة جرائم الاحتلال، وإلغاء «اتفاقية وادي عربة»، وطرد السفير الصهيوني وسفراء جميع الدول التي تساند إسرائيل وتمدّها بالذخائر والمعدات وتجمع أساطيلها وحاملات طائراتها لدعمها. وأكّد الائتلاف تأييده المُطلق لحقّ الفلسطينيين في المقاومة، وبارك عملية «طوفان الأقصى».

حركة دبلوماسية «بلا بركة»
على المستوى السياسي، قصد الملك عبدالله إيطاليا وألمانيا لبحث سبل إدخال المساعدات الطبية والإغاثية العاجلة إلى غزة وأهمية دعم «الأونروا»، مع مطالبته المجتمع الدولي بإدانة استهداف المدنيين الأبرياء من دون تمييز، وتحذيره من توسّع الحرب إلى الضفة الغربية والمنطقة. وإذ أكّد رفض الأردن محاولات التهجير القسري للفلسطينيين من جميع الأراضي الفلسطينية أو التسبّب بنزوحهم إلى دول الجوار، دعا إلى إيجاد أفق سياسي لتحقيق «السلام» على أساس حل الدولتين. وبعد بضع ساعات من رجوعه من هذه الجولة، التقى قائد الجيش، رئيس هيئة الأركان المشتركة يوسف أحمد الحنيطي. كما اجتمع مع كبير مستشاري رئيس أركان الدفاع البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جوي مارتن سامبسون، الذي أرسلته بريطانيا إلى عمّان، بينما أرسلت اليابان مبعوثها الخاص بعملية «السلام» في الشرق الأوسط، أويمورا تسوكاسا، إلى الأردن حيث التقى وزير الخارجية.
دعا «ائتلاف العشائر الأردنية»، الملك عبدالله والحكومة، إلى اتّخاذ مواقف واضحة بإدانة جرائم الاحتلال، وإلغاء «اتفاقية وادي عربة»


لكن في سابقة دبلوماسية، اضطرت عمّان لإلغاء لقاء رباعي على أرضها، بعد أن أعلن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، انسحابه منه، إثر مجزرة «المستشفى الأهلي المعمداني» في غزة. وبعد هذا الإلغاء مباشرة، غادر عبدالله المملكة لساعات متوجّهاً إلى القاهرة ليلتقي الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي استعاض عن قمّة عمّان بقمّة لـ«السلام» في مصر كان لافتاً فيها حضور معظم أعضاء «منتدى شرق المتوسط للغاز»، من دون أن تفضي إلى أيّ نتيجة.

اتفاقية الغاز والماء مقابل الكهرباء... باقية
على الأرض، يستمرّ العمل بالبنى التحتية الخاصة بإيصال الغاز إلى المنشآت الصناعية في الأردن، الذي رصدت حكومته مبلغ 27 مليون دينار في موازنة وزارة الطاقة لأعوام 2023 - 2025، لتغطية كلفة تزويد التجمعات الصناعية بالغاز الطبيعي، والذي تشرف على إنشاء البنية التحتية الخاصة به، شركة «فجر» الأردنية - المصرية، وهي الشركة التي مدّت أنبوب الغاز الإسرائيلي. وإن كانت حجة الدولة في ذلك أن هذا الغاز مصري، إلا أن إسرائيل تستطيع استخدامه أيضاً؛ ففي 10 تشرين الأول 2023، قالت شركة «شيفرون» الأميركية، المشغّلة لخط أنابيب غاز شرق المتوسط البحري بين إسرائيل ومصر، إنها قرّرت تحويل صادرات الغاز إلى مصر عبر خطّ أردني. وذكرت الشركة، في بيان، أنه «في أعقاب تعليمات وزارة الطاقة الإسرائيلية بوقف الإنتاج في حقل تمار، والوضع الأمني في جنوب إسرائيل، جرت إعادة توجيه جميع الصادرات إلى مصر عبر خطّ أنابيب يمرّ من الأردن».