رام الله | ما إنْ ينتصف الليل، أو قبل ذلك بقليل، حتى يتبدّد هدوء الضفة، ويستحيل صخباً يُصاحب أزيز مدرّعات جيش الاحتلال ودباباته، وهو يقتحم المدن والقرى والمخيمات، في مشهد بات يتكرر كلّ ليلة، ويأخذ أشكالاً أكثر قسوة، مع مرور أيام الحرب على غزة. وفي الموازاة، تزداد عمليات الاعتقال المرافقة للاقتحامات، فيما لا توفّر اعتداءات العدو أحداً، أطفالاً وشباباً ورجالاً وحتى نساء، متسبّبةً بإصابات في صفوف المعتقلين، بعضها بليغة، فضلاً عن ممارسة هذه القوات التخريب المتعمّد والواسع في المنازل، واستهدافها الطلاب والأسرى المحرّرين، وكلّ مَن له صلة بحركة «حماس»، راهناً أو سابقاً، في حملة هي أقرب ما تكون إلى «حملات التفتيش في الأندلس».وعلى غرار ما يحصل كلّ يوم، شنّت قوات الاحتلال، فجر أمس، حملة مداهمات واقتحامات في الضفة الغربية والقدس المحتلّتين، تخلّلتها مواجهات في بعض المناطق، واعتقالات، طالت قرابة 80 مواطناً من بينهم 4 نساء من الخليل ورام الله. ولعلّ بلدة كوبر المشهورة بجولاتها التي لا تنتهي مع الاحتلال، والتي تعرّضت لاقتحام واسع، شهدت أعلى نسبة اعتقالات، إذ إن 17 من أبنائها تعرّضوا لمداهمة منازلهم وتفتيشها، وأبرزهم سهير البرغوثي (أم عاصف)، وهي أرملة القيادي في «حماس» عمر البرغوثي. و«أم عاصف»، المعروفة في محيطها بـ«الجبل الصامد»، والتي توفّي زوجها بعد سنوات طويلة وقاسية من الاعتقال في سجون الاحتلال، واستشهد نجلها صالح، فيما نجلها الآخر، عاصم، محكوم بأربعة مؤبدات، على خلفية قتْله جنوداً قرب رام الله، فيما تعرّض منزلها للهدم على يد الاحتلال، بعدما اقتحمته قواته عشرات المرّات.
كذلك، شهدت مدينة طوباس، فجر أمس، اقتحاماً واسعاً، نجمت منه محاصرة قوات الاحتلال منزلاً لساعات، ومطالبة مَن في داخله بتسليم أنفسهم. إلّا أن العملية العسكرية فشلت في الوصول إلى أيّ مقاوم في المدينة، بعدما اندلعت اشتباكات مسلّحة بين مقاومين وقوات الاحتلال، أصيب على إثرها 8 شبان فلسطينيين. وفي الخليل، اعتقلت القوات الإسرائيلية الأسيرة المحرّرة، الكاتبة لمى خاطر، عقب اقتحام منزل زوجها، والطالبتَين في جامعة الخليل: مريم سلهب، ورقية عمرو، من منزليهما، وأليسار أبو حسنة من القدس، لترتفع حصيلة الاعتقالات، منذ السابع من تشرين الأول الجاري، إلى أكثر من 1460 (لا تشمل عمّال ومعتقلي غزة). وبحسب المعلومات المتوافرة، فقد اعتقلت هذه القوات في الضفة الغربية، بما فيها القدس والداخل المحتلّ، منذ بداية الحرب، 41 امرأة وفتاة.
تأتي هذه الاعتقالات في ظلّ تواتر التسريبات في وسائل إعلام عبرية، عن إمكانية إبرام صفقة تبادل أسرى في الأيام القليلة المقبلة؛ إذ بحسب ما سُرّب من «تكهّنات» حول الصفة المزعومة، فإنها ستشمل إفراج المقاومة في غزة عن المدنيين من النساء والأطفال والمسنّين، في مقابل إفراج الاحتلال عن الأسيرات والأسرى الأطفال من سجونه، وتوسيع المساعدات وزيادتها إلى قطاع غزة عبر معبر رفح. على أن اللافت في ضوء العدوان البربري الممارَس في حقّ الأسرى في السجون، والمستهدَفين بعمليات الاعتقال، كان لجوء مجموعة من أهالي الأسرى والنشطاء إلى إغلاق مكتب «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» في مدينة البيرة بالشمع الأحمر، والاحتجاج أمامه، ومنع الموظفين من الوصول إليه، ومطالبتهم المنظّمة بتحمّل مسؤولياتها تجاه قضيّة الأسرى، نظراً إلى «دورها السلبي والمتواطئ» مع الاحتلال. كما توعّد الأهالي باتّخاذ إجراءات تصعيدية في المحافظات كافة، إذا لم تقُم المنظّمة بالدور المنوط بها حتى يوم الثلاثاء الـ 31 من تشرين الأول 2023.
لا يقتصر مشهد التصعيد في الضفة على الاعتقالات الوحشية فحسب، بل يكمّله تصعيد في القتل وإطلاق النار، وانفلات عقال المستوطنين


وشملت مطالبات أهالي الأسرى، لـ«الصليب الأحمر»، «الضغط بشكل جدّي على سلطات الاحتلال للامتثال لِما جاء في اتفاقية جنيف الثالثة والرابعة في ما يتعلّق بحماية الأسرى، وزيارة الأسرى والمعتقلين في كلّ السجون ومراكز التحقيق، والاطّلاع على أوضاعهم، وتكثيف العمل لإعادة تنظيم زيارات الأهالي، والعمل على إرجاع كلّ المكتسبات التي حقّقها الأسرى من خلال نضالاتهم، والتي هي حقّ أساسي لهم بموجب المواثيق الدولية، إضافةً إلى استعادة المقتنيات التي تشكّل الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة، والاطّلاع على واقع الأسرى من قطاع غزة، وزيارتهم، والتواصل مع ذويهم، والتعامل بمهنية وإصدار البيانات التي توضح انتهاكات ومخالفات الاحتلال لاتفاقية جنيف، وفضح جرائم الاحتلال التي تمارَس في حقّ الأسرى، ونشر الظروف التي أدّت الى قتل المعتقل الإداري عمر دراغمة، والمعتقل عرفات حمدان».
ولا يقتصر مشهد التصعيد في الضفة على الاعتقالات الوحشية فحسب، بل يكمّله تصعيد في القتل وإطلاق النار، وانفلات عقال المستوطنين في مهاجمة الفلسطينيين وممتلكاتهم. وفي إطار هذه الهجمات، أعدمت قوات الاحتلال طفلاً، وأصابت آخرين خلال اقتحام مخيم الجلزون للاجئين، شمال رام الله. كما تصاعدت، خلال الأيام الماضية، الاعتداءات الإرهابية التي ينفّذها مستوطنون ضدّ الفلسطينيين، بحيث استشهد خمسة أشخاص على الأقلّ برصاص هؤلاء. وفي السياق، أفادت منظّمات حقوقية بأن المستوطنين نفّذوا هجمات وأشعلوا النار في سيارات وهاجموا تجمّعات سكنية، ما أجبر سكّانها على مغادرتها إلى مناطق أخرى. كما اعتدى هؤلاء بالضرب وإطلاق النار والحجارة على الفلسطينيين في مواقع مختلفة في الضفة، في حوادث كان آخرها هجوم مستوطنين على مزارع وولدَيه قرب رام الله أثناء قطفهم الزيتون، حيث أصيبوا بجروح مختلفة، في حين أصيب مستوطنون، أحدهم بجروح خطيرة، خلال مواجهات مع مواطنين قرب رام الله.
وإزاء الغليان في الضفة، أفادت وسائل إعلام عبرية بأن الرئيس الأميركي، جو بايدن، حذّر رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في الأيام الأخيرة، من «تصاعد الأوضاع» هناك. وفي هذا الإطار، ذكر موقع «واللا» العبري أن مسؤولَين اثنَين في الإدارة الأميركية قالا إنه خلال «المكالمات الهاتفية التي أجراها بايدن مع نتنياهو في الأيام الأخيرة، أعرب عن قلقه في شأن ارتفاع عدد الفلسطينيين الذين قتلوا في الضفة الغربية، وكذلك زيادة عنف المستوطنين»، مطالباً إيّاه بـ«التحرّك لتهدئة الوضع في الضفة الغربية، ومنع هجمات المستوطنين ضدّ الفلسطينيين من أجل منع انفجار الوضع على الأرض، والذي من شأنه أن يزيد من تفاقم الأزمة الحالية». كذلك، أعرب الرئيس الأميركي، في مؤتمر صحافي جمعه إلى رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيزي، عن «قلق بالغ إزاء هجمات المستوطنين المتطرّفين ضدّ الفلسطينيين في الضفة الغربية. إنهم يصبّون الزيت على النار».